معاملة الوالد بالعفو والسماحة.. طرق وآداب

11-5-2009 | إسلام ويب

السؤال:
أريد معرفه حكم الدين إذا عامل الابن والده بمثل ما كان يعامله في التنشئة، بمعنى أن الأب يشدد على ابنه في المعاملة وإذا احتاج الابن مبلغا على سبيل السلف وسيرده له لم يوافق الأب ولم يعطه ما يريد، وعندما كبر الابن تعلم هذه الصفات وعامل والده بالمثل في الشدة، وعندما يحتاج الأب من ابنه مبلغا لأنه في حاجة إلى هذا المبلغ يرفض الابن إعطاءه رغم أنه يملك هذا المبلغ. ما حكم الدين في ذلك؟ وكيف يتعلم الابن التعامل الحسن مع والده وأن يعطي والده ما يريد من المال ووالده لم يعلمه ذلك؟ كيف يتعلم الصفات الحسنة وفى تنشئته لم يعامل بها ؟ وهل سيحاسب الأب على هذا التعامل مع ابنه ؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز للابن أن يعامل أباه بهذه الطريقة المذكورة, بل واجب عليه محتم أن يعامل أباه بالحسنى, وأن يصاحبه بالمعروف, وأن يبذل له كل حقوقه من البر والصلة والإكرام ولو أساء الأب, فإن حق الوالد على ولده عظيم وقد قال رسول الله: لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.  رواه مسلم وغيره.

وأما بخصوص المال والنفقة، فإن الولد تلزمه نفقة أبيه الفقير في جميع ضرورياته وحاجاته من مطعم ومشرب ومسكن وزوجة طالما كان الابن موسرا, وهذا على سبيل اللزوم والحتم، ولا يلزم الوالد برد هذا المال حتى ولو أيسر بعد ذلك, وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم: 108495.

أما بخصوص ما يسأل عنه السائل من كيفية اكتساب الأخلاق الفاضلة ومعاملة الوالد بالعفو والسماحة فنرشده في ذلك إلى ما يلي:

1- الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه فإن قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء, وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت.  رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

2- التحقق بمعرفة قدر الوالدين وحقهما وفضل البر بهما وأن الولد لو أنفق عمره في الإحسان إليهما وقضاء حوائجهما ما وفاهما بعض حقهما. وقد قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي, وصححه الألباني.

 وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.

3- مجاهدة النفس وحملها حملا على الأخلاق الحسنة وإن كرهت ذلك ونفرت منه في بادىء الأمر, فإنه إن استمر في المجاهدة لم تلبث نفسه أن تعتاد الأخلاق الحسنة فالنفس على ما يعودها صاحبها عليه, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه. رواه الدارقطني وحسنه الألباني.

وأما ما كان من الأب من تقصير في حق أولاده، وما بدر منه من تفريط في تربيتهم فإنه مسؤول عن ذلك أمام الله سبحانه, لأن الأولاد أمانة في أعناق آبائهم فمن أهملهم فقد خان الأمانة وضيعها, قال تعالى:  يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ.  {النساء:11}.

 قال السعدي  رحمه الله: أي: أولادكم - يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.

 وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم.

ولقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم  الراعي من تضييع رعيته ، فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم

ولكن مهما حدث من الوالدين أو أحدهما من تقصير فإن هذا لا يسوغ للولد أن يقابله بمثله.

والله أعلم.

www.islamweb.net