كم ننتظر حتى تستجاب دعواتنا؟

13-8-2009 | إسلام ويب

السؤال:
تكلمتم كثيراًَ عن أسباب إجابة الدعوة، والحديث الشهير: إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يستعجل. أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فكم ننتظر حتى تجاب دعواتنا؟ وهل لتأخير الدعوة حكمة لا نعلمها؟ وهل يجب علينا البحث عن الحكمة من العبادات أم نعبد ربنا بدون أسئلة عن حكمتها؟ جزاكم الله خيراًُ.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فدعاء المسلم لا يضيع، والله عز وجل أكرم من أن يرد سائلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. ولكن للدعاء المقبول شروطاً لا بد من تحققها، وموانع لا بد من انتفائها، وآداب بحصولها يرجى قرب الإجابة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 23599.

وأما قول السائل: فكم ننتظر حتى تجاب دعواتنا؟  فنقول فيه: إن إجابة الدعاء قد تقع بحصول ما دعا المسلم به بعينه في الحال، وقد تقع بعد وقت من دعائه وهذا الوقت لا يعلم مقداره إلا الله، وقد يستجاب للعبد ولكن لا يحصل له المطلوب بعينه، فإن صور الاستجابة تتنوع، فإما أن يعطى ما سأل وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، وإما أن يدخر له في الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمام أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر! قال: الله أكثر. رواه أحمد وصححه الألباني.

قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة.

 فكل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه. كما قال ابن حجر في فتح الباري.

 ومن حكم تأخير الإجابة ما قاله ابن الجوزي: اعلم أن الله عز وجل لا يرد دعاء المؤمن، غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة، وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة، فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة، فإنه بالدعاء متعبد، وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مفوض. كشف المشكل. 

فعلى الداعي أن يشغل نفسه بالدعاء وآدابه وتحقيق شروط إجابة الدعاء، ولا يستعجل فإن الاستعجال من موانع استجابة الدعاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم.

 قال ابن حجر: قال الداودي: يخشى على من خالف وقال: قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير. فتح الباري.

 وقد سبق بيان معنى الاستعجال والتحذير منه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 63158، 54325، 69484 فراجعها.

وأما عن البحث عن الحكمة من العبادات وما إذا كان ذلك واجباً، فجوابه: أن ذلك لا يجب، وإنما الواجب على المسلم هو الإيمان بما ثبت في الوحي سواء فهم حكمته أم لم يفهمها، فقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا. {الأحزاب:36}. وقال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا. {النساء:65}.

 ولا حرج على المؤمن بعد ذلك في محاولة معرفة الحكمة من الأوامر أو النواهي، ولا حرج عليه في سؤال من عنده علم بذلك ومحاورته في الموضوع، للوصول إلى معرفة حكمة عبادة معينة أو نهي معين، لأن معرفة الحكمة تبعث على الطمأنينة وتقوي اليقين، ولمعرفة الحكمة من أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم  طريقان:

الأول: أن تكون الحكمة قد ورد النص عليها في الكتاب أو السنة، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. {البقرة:183}. وكقوله صلى الله عليه وسلم: فزوروا القبور فإنها تذكر الموت. رواه مسلم. فهذا وأمثاله كثير مما جاءت فيه الحكمة منصوصاً عليها.

الثاني: أن يستخرجها العلماء عن طريق الاستنباط والاجتهاد، وهذا قد يكون صواباً، وقد يكون خطأ، وقد تخفى الحكمة على كثير من الناس، والمطلوب من المؤمن التسليم لأمر الله تعالى وامتثاله في جميع الأحوال، مع الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى حكيم، له الحكمة التامة والحجة البالغة: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. {الأنبياء:23}.

والله أعلم.

www.islamweb.net