حكم الاعتراض على الإمام وتقديم غيره وهل يشرع سحب من في الصف الأول والوقوف مكانه

22-8-2012 | إسلام ويب

السؤال:
إخواني القائمين على الفتاوى جزاكم الله كل خير: لدي سؤال لموقف حدث بالأمس بيني وبين بعض الإخوة في الصلاة في الشركة، لأننا نصلي جماعة: كنت أقف كإمام لأصلي إماما بالجماعة، فاعترض بعضهم وقال مازحا أو غير مازح لا نريد فلانا أن يؤمنا، فقلت حسنا وأنا حزين جدا وعدت للوراء ليصلي غيري بهم، مع العلم أنني كنت أصلي بهم سابقا والحمد لله أتقن التكبير بصوت جميل، والموقف الثاني: هو أنني كنت في الصف الأول فجاء أحدهم وسحبني للوراء ليأخذ مكاني، فهل هذا جائز؟ أرجو ذكر مثال، لأنني قرأت في الماضي عن مثل هذا الموقف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة، لا أتذكر بالتمام متى فأرجو إفادتي، وبارك الله فيكم.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الإمامة شأنها عظيم، ولا يشرع أن يتقدم لها من ليس أهلا لها، وإتقان التكبير لا يكفي وحده للتأهل لها، بل لا بد من توفر شروطها المبينة في الفتوى رقم: 9642.

وعليه، فإذا كانت هذه الشروط تتوفر فيك وليس في الجماعة من هو أحق منك بالإمامة فليس للشخص المذكور أن يعترض على تقدمك للإمامة بغيرسبب شرعي، ولكن لا ينبغي أن تحزن لذلك، لأنك إن كنت مرضيا عند الجماعة فلا ضيرعليك في تقدم غيرك للإمامة، ولا ينبغي أن يكون في نفسك منه شيء بسبب ذلك، مع أن التصريح بعدم قبول تقدمك بهذه الطريقة فيه شيء من عدم الأدب وإن كان فيهم من هو أولى منك، أما إن كنت غير مرضي لدى هذه الجماعة ـ لا قدر الله ـ فعدم تقدمك خير لك، فقد نص الفقهاء على أنه يكره للإمام أن يؤم قوما وهم له كارهون بحق، أي محقون في كراهتهم لإمامته، بل جاء وعيد شديد في ذلك، فقد روى الترمذي بسند حسنه الألباني من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم ـ وذكر منهم: وإمام قوم وهم له كارهون..

وانظر الفتوى رقم: 134068.

هذا عن السؤال الأول، أما عن السؤال الثاني: فليس للشخص المذكور أن يسحبك من مكان سبقت إليه ليحل محلك إلا في حال ما إذا كان هوأولى بتولي الإمام لفضله فقد أجاز بعض أهل العلم أن يؤخر الفاضل هنا المفضول ليقف مكانه كما حصل مع أبي بن كعب وقيس بن عباد ولعلها هي القصة التي يشير إليها السائل، ففي سنن النسائي وصححه الألباني من حديث قيس بن عباد قال: بَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً فَنَحَّانِي وَقَامَ مَقَامِي، فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلَاتِي، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ: يَا فَتَى لَا يَسُوءُكَ اللَّهُ إِنَّ هَذَا عُهِدَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا أَنْ نَلِيَهُ.

وهذا الحديث استدل به بعض أهل العلم على جواز أن يؤخر الفاضل المفضول من الصف ليقف مكانه، وقيل لا يجوز ذلك، ففي الفروع لابن مفلح: وَلِلْأَفْضَلِ تَأْخِيرُ الْمَفْضُولِ، وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّ أُبَيًّا نَحَّى قَيْسَ بن عباد وَقَامَ مَكَانَهُ...إلى آخر الحديث ... إلى أن يقول: وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُنَحِّيه مِنْ مَكَانِهِ فَهُوَ رَأْيُ صَحَابِيٍّ مَعَ أَنَّهُ فِي الصَّحَابَةِ مَعَ التَّابِعِينَ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْإِيثَارِ بِمَكَانِهِ، وَفِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قال المرداوي في تصحيح الفروع: قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْمَفْضُولِ وَالصَّلَاةِ مَكَانَهُ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْإِيثَارِ بِمَكَانِهِ، وَفِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، انْتَهَى، ظَاهِرُ كَلَامِهِ: تَقْوِيَةُ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يُؤَخِّرُ الصِّبْيَانَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ، وَقَالَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ فِعْلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، انْتَهَى، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. انتهى 

ووجه عدم الجواز أن من سبق إلى موضع فهو أحق به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه. رواه مسلم وغيره.

ولا فرق بين أن يقيمه من مجلسه وبين أن يسحبه من الصف، ففي شرح النووي لصحيح مسلم عند شرح الحديث: هذا النهي للتحريم، فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث. انتهى.                             

وفي النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية، للمؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، بعد ذكر حديث قيس بن عباد: وَهَذَا الْخَبَر إِن صَحَّ فَهُوَ رَأْي صَحَابِيّ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سبق إِلَى مَا سبق إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ أَحَق بِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يُقَام الرجل من مَجْلِسه وَيجْلس فِيهِ وَلَكِن تَفَسَّحُوا أَو توسعوا. انتهى.

وفي شرح زاد المستقنع لمؤلفi حمد بن عبد الله بن عبد العزيز الحمدوأقربهم إلى الإمام أكملهم وأفضلهم، فإن تقدم إلى موضعه المفضول، فهل للفاضل أن يؤخره عن موضعه أم لا؟ قولان لأهل العلم، الشافعية قالوا: ليس له أن يؤخره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، وقال الإمام أحمد: أنه يجوز له ذلك، لأنه في مكان ليس له، بخلاف من جلس في مجلس فلا يجوز أن يقام منه. واستدل بحديث: ليليني منكم ألوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. انتهى.

والله أعلم.

www.islamweb.net