ارتباط ظاهرة المد والجزر بالقمر من جملة الأسباب التي ربطها الله بمسبباتها

22-5-2013 | إسلام ويب

السؤال:
هل المد والجزر مرتبط بالقمر ؟ وما حكم من يعتقد ذلك ؟ وهل النجوم التي يقصدها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه تتضمن الشهب والنيازك ؟
وما حكم شخص يعتقد بوجود تكنولوجيا حديثة تمتلكها دولة كي تجعل السحب تمطر على أرضها، لكنه يعتقد أن هذا بأمر الله، وأنه لا يخرج عن أمر الله، لكنه يعتقد أن هذه التكنولوجيا سبب جعله الله كي يمطر السحاب في هذه المنطقة ؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فارتباط ظاهرة المد والجزر بالقمر واختلاف أحواله، شيء معلوم من قديم، وهذا لا يتعارض مع تدبير الله تعالى للكون، وسبيل ذلك سبيل سائر الأسباب التي ربطها الله تعالى بمسبباتها.

قال ابن حزم في (الفصل): لسنا ننكر أن تكون النجوم دلائل على الصحة والمرض وبعض ما يحدث في العالم، كدلالة البرق على نعول البحر، وكدلالة الرعد على تولد الكمأة، وكتولد المد والجزر على طلوع القمر وغروبه، وإعذاره وارتفاعه، وامتلائه ونقصه. اهـ.
وقال الرازي في تفسيره: أهل التجارب بينوا أن اختلاف أحوال القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم ومصالحه، مثل أحوال البحار في المد والجزر ... اهـ.
وقال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): لا ندفع تأثير القمر في وقت امتلائه في الرطوبات حتى في جزر البحار ومدها، فإن منها ما يأخذ في الازدياد من حين يفارق القمر الشمس إلى وقت الامتلاء، ثم إنه يأخذ في الانتقاص ولا يزال نقصانه يستمر بحسب نقصان القمر حتى ينتهي إلى غاية نقصانه عند حصول المحاق، ومن البحار ما يحصل فيه المد والجزر في كل يوم وليلة مع طلوع القمر وغروبه، وذلك موجود في بحر فارس، وبحر الهند، وكذلك بحر الصين، وكيفيته أنه إذا بلغ القمر مشرقا من مشارق البحر ابتدأ البحر بالمد، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك المواضع، فعند ذلك ينتهي منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد من تحت الأرض، ولا يزال زائدا إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض، فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثم يبتدئ الجزر ثانيا ويرجع الماء كما كان ... اهـ.

ثم استفاض ابن القيم في بيان ذلك وأثره، وعدم تعارضه مع قضية الإيمان.
وأما السؤال عن النجوم التي يقصدها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه وهل تتضمن الشهب والنيازك؟ فلم يذكر لنا السائل الحديث الذي يعنيه. فإن النجم يطلق على الأجرام السماوية المضيئة بذاتها، ويطلق أيضا على الكواكب، ويطلق على (مجموعة الثريا) خَاصَّة، كما في (المعجم الوسيط) ومن إطلاقه على الثريا خاصة حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعا:إذا طلع النجم ذا صباح رفعت العاهة. رواه أحمد.

قال ابن عبد البر في (التمهيد): والنجم هو الثريا، لا خلاف ها هنا في ذلك، وطلوعها صباحا لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار، وهو شهر ماي. اهـ.
وقال ابن حجر في (فتح الباري): النجم هو الثريا، وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف. اهـ.
ومن إطلاق النجوم بالمعنى الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد. رواه مسلم.
والمقصود أن النجم له عدة إطلاقات، وبعضها له علاقة بالشهب والنيازك.

قال الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب التوحيد: قال العلماء في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} أي: جعلنا شهابها الذي ينطلق منها; فهذا من باب عود الضمير إلى الجزء لا إلى الكل. فالشهب: نيازك تنطلق من النجوم. وهي كما قال أهل الفلك: تنزل إلى الأرض، وقد تحدث تصدعا فيها. أما النجم فلو وصل إلى الأرض; لأحرقها. اهـ.
وقال الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير): الشهب: جمع شهاب، وهو القطعة التي تنفصل عن بعض النجوم فتسقط في الجو أو في الأرض أو البحر وتكون مضاءة عند انفصالها، ثم يزول ضوؤها ببعدها عن مقابلة شعاع الشمس، ويسمى الواحد منها عند علماء الهيئة نيزكا. اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة: كيف نوفق بين الدين والعلم في أمور ظاهرها التعارض بينهما، فمثلا عرفنا في الدين: أن النجوم خلقت لثلاثة أشياء: خلقت زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وجعلت علامات يهتدى بها، وقرأنا في الجغرافيا: أنها مجموعة أجرام لها نظام معين في الدوران، وأن ما نشاهده ليلا يحترق ويسقط إنما هو نيازك وشهب تخرج من جاذبية إلى جاذبية الأرض فتحترق وتسقط بسرعة 45 ميلا في الثانية ؟
فأجابت بذكر نصوص القرآن في هذا الجانب ثم قالت: ومن نظر في هذه الأخبار وجدها واضحة في بيان بعض خواص النجوم وفوائدها، وليس فيها ما يدل على حصر فوائد النجوم ومزاياها في الأمور الثلاثة التي ذكرت فيها، كما أنه ليس فيها ما يدل على حصر الشهب التي نراها فيما ترجم به الشياطين من شهب النجوم، ويرمى به مسترقو السمع منهم، كما أنه ليس فيها تعرض لشهب أخرى نفيا أو إثباتا، يعرف ذلك من درس لغة العرب، وعرف ما في أساليبها من أدوات القصر التي يضمنونها كلامهم لإفادة الحصر والدلالة عليه. فإذا ثبت في العلوم الكونية أن هناك حجارة وأجراما منتثرة في الجو، وأنها مجموعات تقع كل مجموعة منها في دائرة جاذبية كوكب أكبر منها، وأنها إذا انحرفت عن دائرة جاذبية هذا الكوكب فبعدت منه وقربت من دائرة جاذبية كوكب آخر سقطت بسرعة، وتولد عن احتكاك سطحها بسطوح أخرى شعلة نارية هي الظاهرة الكونية التي تسمى: الشهب - إذا ثبت هذا فإنه لا يتنافى مع ما جاء في نصوص الشريعة الإسلامية من النصوص التي فيها مجرد الإخبار برجم الشياطين بشهب من النجوم، إذ من الممكن أن تحدث ظاهرة الشهب من الأمرين؛ إذ ليس في العلوم الكونية ما يدل على حصر الشهب فيما يتساقط من غير الكواكب، كما أنه ليس في النصوص حصر الشهب فيما يتساقط من الكواكب لرجم الشياطين. أما النيازك التي ذكرها السائل فهي عند علماء الجغرافيا رجوم إذا سقطت إلى سطح الأرض لا تحترق ولا تتحول إلى رماد، فليست نوعا من الشهب، بل نوع من الرجوم مقابل للشهب. اهـ.
وأما السؤال عن تقنية الاستدرار الصناعي للمطر، فراجع في جوابه الفتويين: 60048، 124121.

والله أعلم.

www.islamweb.net