هل يدل قوله تعالى: (سيماهم في وجوههم) على أنه لا يُسجَد إلا على الأرض

5-8-2013 | إسلام ويب

السؤال:
شيوخنا: كيف الرد على هذه الأدلة؟
السجود على التراب حق من القرآن، والسنة المثبتة.
أ) دليل القرآن: قال تعالى في سورة الفتح: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )
وبالطبع فإن لهذه الآية معاني ذات عمق، ومعاني ظاهرة. وكلا المعنيين يتشعب إلى تفاسير عظيمة، وأسرار كبيرة لن يراها إلا البصير الذي رحمه الله بالعلم النافع.
سأذكر واحدة ظاهرة لمن يقرأ بعقله وليس بحميته، وعناده، وانحيازه، وجهله !!...
اتركوا كل الشواذ من الأخلاق، واسألوا أنفسكم الفانية المُحاسبة ما معنى هذه الآية:( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ).
فإذا بحثنا في أصل اللغة العربية التي هي لغة القرآن لوجدنا أن كلمة ( سيماهم تعني ما يدل عليهم، والأثر الظاهر للعين المجردة الذي يُعرِّف صاحبه )
وحرف ( في ) ليس كحرف ( على )، فقوله سبحانه: ( في وجوههم؛ أي ما يظهر على وجوههم وتراه العين بشكل ظاهر وحرف ( في ) هو أكثر دقة ويدل على وجود الشيء بالفعل، ويؤكد عليه ما يليه من كلمة ( من أثر السجود ) ؛ فحرف ( من ) يعني هنا ( بسبب ) والأثر يدل على المسير، والأثر هو كذلك ما يظهر للعيان فتراه العين الناظرة المبصرة بكل وضوح وليس تشبيهاً، أو مجازا أو كناية عن الهالة الإيمانية، والخشوع والسكينة كما وصفها البعض !! ، فلو كانت تشبيها لقال سبحانه: ( على وجوههم ) أي ما يحيط بوجوههم ويعلوها ولو كان غير ظاهر، لكن الله قال: ( في وجوههم ) ثم أتبعها ( من أثر )....
كذلك قال سبحانه: ( تراهم ركعا سجدا )، فكلمة ( تراهم ) تدل قطعاً على الرؤية الظاهرة بالعين المجردة، فالإنسان لا يملك الرؤية إلا بعينيه الظاهرتين، ولا يمكن رؤية الخشوع والسكينة بالعين الظاهرة، قد تشعر بها فهي من المشاعر والأحاسيس ولكنك لا تراها ظاهراً وإن كنا نقول إن هذا المؤمن يظهر (على) وجهه النور ولا نقول يظهر ( في ) وجهه النور؛ لأنه ليس إضاءة حقيقية وإنما يبدو لنا سماحة وجهه، ولا نرى النور فعلاً .
وأتبعته كلمة السجود الدالة على السجود في حال الصلاة، وأكدتها ما ابتدأت به ( تراهم رُكّعاً سُجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) وهذا للتأكيد والدلالة على أن الحالة هي حالة الصلاة.
ثم كانت الآية: ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) ؛ لاحظ هنا أن الله ابتدأ الآية الأولى ب( تراهم ركعاً سجداً .... ) هنا نجد الركوع والسجود قد ذكرهما الله معاً في هذه الآية، هذا لأنه أراد التأكيد على موضع المقصود ومكانه وهو ( الصلاة ).
ولكن عند آية الأثر لاحظوا ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) ولم يقل الركوع كذلك كما قاله في البداية، وهذا هو الدليل القطعي على أن المقصود هو السجود وما يتركه من أثر ظاهر في الوجه. لذا كيف يكون هناك أثر للسجود ( في الوجه ) إذا لم يكن أصل الأثر صلبا وخشنا، وليس ناعما ؟!
فإذا كانت السجادة التي هي من خيوط قماش، أو صوف، أو قطن أو حرير وهذا يؤكد ( نعومتها ) وأصل ذلك من حيوان، فكيف تترك أثراً ظاهراً في الوجه ؟!
وبالطبع أستثني الحصير الذي أصله من سعف، وخص، وأوراق الشجر أولحاؤها فأصل ذلك النبات، والنبات أصله التراب كذلك.
ب ) دليل الحديث: في كتب علماء السنة الثقات.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنقول أولا: إن الموقع ليس معنيا بالردود على مقالات الآخرين، ولا بتصحيح استنباطاتهم وآرائهم.

وثانيا سؤالك لم يكتمل، ولعل المقصود من إيراد هذا الكلام الذي سألت عن صحته هو المنع من السجود على البسط، والزرابي و(الموكيت) ونحوها. فإن كان هذا هو المقصود فلا يوجد في الآية ما يدل على المنع من السجود إلا على التراب، فإن غاية الكلام المنقول في السؤال لو صح لكان فيه دليل على استحباب السجود على التراب فقط، وليس فيه المنع من السجود على غيره.
قال ابن تيمية- رحمه الله- في مجموع الفتاوى: وفي الصحيحين عن أبي سلمة عن عائشة قالت: " {كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح} وعن عروة عن عائشة: " {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة فيما بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة} وفي لفظ عن عراك عن عروة " {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه} . وهذه الألفاظ كلها للبخاري استدلوا بها في باب الصلاة على الفرش، وذكر اللفظ الأخير مرسلا؛ لأنه في معنى التفسير للمسند أن عروة إنما سمع من عائشة وهو أعلم بما سمع منها. ولا نزاع بين أهل العلم في جواز الصلاة والسجود على المفارش إذا كانت من جنس الأرض كالخمرة، والحصير ونحوه وإنما تنازعوا في كراهة ذلك على ما ليس من جنس الأرض: كالأنطاع المبسوطة من جلود الأنعام، وكالبسط والزرابي المصبوغة من الصوف، وأكثر أهل العلم يرخصون في ذلك أيضا، وهو مذهب أهل الحديث كالشافعي، وأحمد. ومذهب أهل الكوفة كأبي حنيفة وغيرهم. وقد استدلوا على جواز ذلك أيضا بحديث عائشة، فإن الفراش لم يكن من جنس الأرض وإنما كان من أديم أو صوف. وعن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير، وعلى الفروة المدبوغة. رواه أحمد، وأبو داود من حديث أبي عون محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي عن أبيه عن المغيرة. قال أبو حاتم الرازي: عبيد الله بن سعيد مجهول. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط. رواه أحمد، وابن ماجه. وفي تاريخ البخاري عن أبي الدرداء قال: ما أبالي لو صليت على خمرة . وإذا ثبت جواز الصلاة على ما يفرش - بالسنة والإجماع - علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعهم أن يتخذوا شيئا يسجدون عليه يتقون به الحر؛ ولكن طلبوا منه تأخير الصلاة زيادة على ما كان يؤخرها، فلم يجبهم، وكان منهم من يتقي الحر إما بشيء منفصل عنه وإما بما يتصل به من طرف ثوبه. انتهى.
وقال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: ولا بأس بالصلاة على الحصير، والبسط من الصوف، والشعر والوبر، والثياب من القطن والكتان وسائر الطاهرات، وصلى عمر على عبقري، وابن عباس على طنفسة، وزيد بن ثابت، وجابر على حصير، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود، وأنس على المنسوج، وهو قول عوام أهل العلم. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 74788، 197577.

والله أعلم.

www.islamweb.net