رجوع الروح إلى الجسد وهيئتها عند البعث

25-9-2013 | إسلام ويب

السؤال:
رفع الله قدركم. كنت قد أرسلت سؤالًا برقم: "2425205" وذكرت أنه حصل إشكال بين فتويين, ولكن تمت إجابتي بإحالتي على فتاوى سابقة, ولم تتم الإجابة عن سؤالي، وهذا نص السؤال الذي أرسلته لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أثابكم الله: هناك من يقول إن يوم القيامة تسكن الروح جسدًا آخر لأن الجسد عند البعث يتغير, فهل يصح هذا القول؟ وهل فعلًا يتغير الجسد عند البعث؟ وقد وجدت لكم قولين مختلفين في هذه المسألة: فقد ذكرتم في الفتوى رقم: "107664": ما نصه: تبعث الأجساد يوم القيامة على شكل يختلف عن حالها في الدنيا، ولكن أصحابها يتعارفون. وذكرتم أيضًا في الفتوى رقم: 103454 ما نصه: فالذي دلت عليه النصوص هو أن الناس يبعثون على ما ماتوا عليه من عمل وهيئة, فما الصحيح بينهما؟ هل الأجساد تبعث على شكل يختلف عن حالها في الدنيا؟ أم أنها تبعث على الشكل الذي مات عليه صاحب الجسد؟ وهل يمكن القول بأن الروح تسكن جسدًا آخر؟ رفع الله قدركم, فأتمنى حل هذا الإشكال الوارد في السؤال.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فلا يصح القول بأن الروح تسكن جسدًا آخر يوم القيامة, بل كل روح ترجع إلى جسدها الذي كانت فيه في الدنيا, كما جاء في مسند الإمام أحمد مرفوعًا: حَتَّى إِذَا كَانُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا. وصححه الألباني, أي دخلت كل روح في جسدها, وعند ابن أبي عاصم في السنة بسند جود إسناده الألباني: حتى إذا أخرجت الأجساد أرسل الله الأرواح, وكان كل روح أسرع إلى صاحبه من الطرف, ثم ينفخ في الصور, فإذا هم قيام ينظرون.
قال ابن القيم في كتابه الروح: تنْبت أَجْسَادهم فِي الْقُبُور، فَإِذا نفخ فِي الصُّور رجعت كل روح إِلَى جَسدهَا فَدخلت فِيهِ, فانشقت الأَرْض عَنهُ, فَقَامَ من قَبره, وَفِي حَدِيث الصُّور أَن إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام يَدْعُو الْأَرْوَاح فَتَأْتِيه جَمِيعًا أَرْوَاح الْمُسلمين نورًا، وَالْأُخْرَى مظْلمَة، فيجمعها جَمِيعًا فيعلقها فِي الصُّور, ثمَّ ينْفخ فِيهِ, فَيَقُول الرب جلّ جَلَاله: وَعِزَّتِي ليرجعن كل روح إِلَى جسده, فَتخرج الْأَرْوَاح من الصُّور مثل النَّحْل, قد مَلَأت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض, فَيَأْتِي كل روح إِلَى جسده فَيدْخل, وَيَأْمُر الله الأَرْض فَتَنْشَق عَنْهُم, فَيخْرجُونَ سرَاعًا إِلَى رَبهم يَنْسلونَ, مهطعين إِلَى الدَّاعِي يسمعُونَ الْمُنَادِي من مَكَان قريب, فَإِذا هم قيام ينظرُونَ, وَهَذَا مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن الرَّسُول أخبر بِهِ, وَإِن الله سُبْحَانَهُ لَا ينشئ لَهُم أرواحًا غير أَرْوَاحهم الَّتِي كَانَت فِي الدُّنْيَا, بل هِيَ الْأَرْوَاح الَّتِي اكْتسبت الْخَيْر وَالشَّر أنشأ أبدانها نشأة أُخْرَى ثمَّ ردهَا إِلَيْهَا. اهــ
وقال أيضًا: أَن الرّوح والجسد يختصمان بَين يَدي الرب عز وَجل يَوْم الْقِيَامَة, قَالَ عَليّ بن عبد الْعَزِيز: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش: عَن أَبى سعيد الْبَقَّال: عَن عِكْرِمَة: عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: مَا تزَال الْخُصُومَة بَين النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يُخَاصم الرّوح الْجَسَد, فَيَقُول الرّوح: يَا رب إِنَّمَا كنت روحًا مِنْك جَعَلتني فِي هَذَا الْجَسَد فَلَا ذَنْب لي, وَيَقُول الْجَسَد: يَا رب كنت جسدًا خلقتني وَدخل فِيّ هَذَا الرّوح مثل النَّار, فِبهِ كنت أقوم, وَبِه كنت أقعد, وَبِه أذهب, وَبِه أجىء, لَا ذَنْب لي, قَالَ: فَيُقَال: أَنا أَقْضِي بَيْنكُمَا, أخبراني عَن أعمى ومقعد دخلا حَائِطًا, فَقَالَ المقعد للأعمى: إِنِّي أرى ثمرًا فَلَو كَانَت لي رجلَانِ لتناولت, فَقَالَ الْأَعْمَى: أَنا أحملك على رقبتي, فَحَمله فَتَنَاول من الثَّمر, فأكلا جَمِيعًا, فعلى من الذَّنب, قَالَا: عَلَيْهِمَا جَمِيعًا, فَقَالَ: قضيتما على أنفسكما. اهـــ

وأما هل تبعث الأجساد على الهيئة التي كانت عليها في الدنيا؟ فجوابه أن الأجساد تبعث يوم القيامة على الصورة التي وُلدت بها في الدنيا, كما قال تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ {الأنبياء:104}، } أي: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلًا كذلك نعيدهم يوم القيامة. قاله البغوي وغيره.
لكن يوجد فيها شيء من الاختلاف عما كانوا عليه في الدنيا من الهيئة, كالطول والقصر, والبصر والعمى, مع أن الأجساد هي نفسها, فبعض الناس يحشر أعمى مع أنه كان في الدنيا بصيرًا, كما دل عليه قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) {سورة طــه}.
والمتكبرون يحشرون يوم القيامة في حجم النمل الصغير, كما جاء في حديث عبد الله بن عمر بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الصَّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ ... إلخ, رواه أحمد والترمذي, والذر: النمل الصغير, والمعنى أن صُوَرَهُمْ صُوَرُ الْإِنْسَانِ، وَجُثَّتَهُمْ كَجُثَّةِ الذَّرِّ فِي الصِّغَرِ.
وعند الطبراني بسند حسنه الألباني مرفوعًا: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ سِقْطًا وَلا هَرِمًا, وَإِنَّمَا النَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ, إِلا بُعِثَ ابْنَ ثَلاثِينَ سَنَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَانَ عَلَى مَسْحَةِ آدَمَ، وصُورَةِ يُوسُفَ، وَقَلَبِ أَيُّوبَ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عُظِّمُوا وَفُخِّمُوا كَالْجِبَالِ.
فالناس سيبعثون في سن واحدة, ولكنهم تختلف أجسادهم في الحجم, فأهل الجنة على صورة أبيهم آدم – ستون ذراعًا في السماء – والكفار كالجبال؛ لأنه كلما اتسعت رقعة البدن زاد ألم العذاب - والعياذ بالله - كما في صحيح مسلم مرفوعًا: ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ. قال النووي: هَذَا كُلّه لِكَوْنِهِ أَبْلَغ فِي إِيلَامه. اهــ.

والمتكبرون يكونون في الحشر في حجم النمل؛ كما سبق.

والله تعالى أعلم.

www.islamweb.net