لا يتحقق للعبد التوفيق ولا يثبت عليه إلا بتقدير الله له

26-1-2014 | إسلام ويب

السؤال:
بارك الله فيكم، وتقبل منكم. أعلم جيدا أن التوفيق بيد الله، عندما يوفقني الله، فهذه رحمة منه شملتني، وليس لأني مميزة، ولكنى أعاني من شبهة وهي: عندما يرزقني الله التوفيق. هل أحتاج إلى مجاهدة نفس بعد التوفيق؟ وكذلك هل من الممكن أن أذنب بعد التوفيق؟ وهل مجاهدة النفس مجهود ذاتي أم بتوفيق الله أيضا؛ لأن الشيطان يريد أن يوقعني في مسألة العجب؟ أفيدوني بارك الله فيكم. إني متعبة والله من تلك الشبهات. جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فحقيقة التوفيق إلى أمر ما، لا يعلمها الإنسان إلا بعد تمام ذلك الأمر، ومن ذلك التوفيق إلى رضا الله تعالى، وسلوك صراطه المستقيم، فيجوز أن يضل الله العبد بعد أن يوفقه في ظاهر الأمر؛ وذلك مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه: فو الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
 فإذا أنعم الله على عبده بالتوفيق والهداية، فعليه أن يشكر الله جل وعلا على تلك النعمة، ويسأله الثبات عليها، كشأنه مع سائر نعم الله، بل هي أعظمها، ولذلك يقول المصلي في كل صلاة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ {الفاتحة:6} . قال ابن كثير: ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة، وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق... فمعنى قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } استمر بنا عليه، ولا تعدل بنا إلى غيره. من تفسير ابن كثير بتصرف.

 فالمسلم يسلك الصراط المستقيم متعبدا لربه، ومستعينا به في حصول ذلك. ولا شك أنه يحتاج في سيره هذا إلى مجاهدة للقيام بحق العبودية، وللثبات عليها كذلك، والمجاهدة إنما هي فعل العبد، فيكون مأمورا بها كسائر حقوق العبودية؛ ولذلك لما قال الصحابة: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة، فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) الآية. متفق عليه.
ومع ذلك فإن العبد لا يوفق لسلوك الصراط المستقيم، ولا يعان على المجاهدة إلا بتوفيق الله له وإعانته، فيجب أن يجمع بين العبادة والاستعانة، ولذلك يقول في كل صلاة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {الفاتحة:5}، فإن قوله: "(إياك نعبد) يقتضي حصول رتبة عظيمة للنفس بعبادة الله تعالى، وذلك يورث العجب، فأردف بقوله: (وإياك نستعين) ليدل ذلك على أن تلك الرتبة الحاصلة بسبب العبادة ما حصلت من قوة العبد، بل إنما حصلت بإعانة الله، فالمقصود من ذكر قوله: (وإياك نستعين) إزالة العجب، وإفناء تلك النخوة والكبر". انتهى من مفاتيح الغيب.

  وانظري للفائدة الفتوى رقم: 177257 وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

www.islamweb.net