الحقوق المادية والمعنوية الواجبة على الرجل تجاه الزوجة والأولاد

25-3-2014 | إسلام ويب

السؤال:
طابت نفسي من زوجي ولم أعد أطيقه، ومنذ ثلاث سنوات لا تواصل بيننا أبدا، تركني على حالي ولم أطلب الطلاق رحمةً بأولادي، وأصغرهم في المتوسط، فهل آثم بذلك؟ وللعلم فإنه يغيب عن البيت كل اليوم ولا يرجع إلا للنوم فقط ولا يسأل عن شيء، ولا يعلم عن أولاده شيئا إلا أنه لم يقصر في نفقتهم دوني، فهو لا يعترف بنفقتي إلا المأكل والمشرب فقط، لا غير، فهل تسقط عن الأب المسئولية إذا جعل الأولوية لعمله؟.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتدابر الزوجين مخالف لما أمرهما الله به من المعاشرة بالمعروف، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء: 19}.

وقال جل وعلا: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة:228}.

وليس في ترك المرأة طلب الطلاق من زوجها لسوء العشرة بينهما إثم، لأن طلب الطلاق في هذه الحال جائز وليس بواجب، ‏وترك الجائز لا تأثيم فيه، بل قد تؤجر لصبرها رحمة بأولادهما، قال الرحيباني في المطالب على الغاية ممزوجين: ‏‏وَيُبَاحُ الْخُلْعُ لِسُوءِ عِشْرَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ بِأَنْ صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَارِهًا لِلْآخَرِ لَا يُحْسِنُ صُحْبَتَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ ‏خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة: 229}.

وحق المرأة في النفقة لا يقف عند المأكل والمشرب والملبس، بل يتناول كل ما تحتاجه المرأة لحياة كريمة ‏تناسب طبقتها لأن هذا مقتضى المعاشرة بالمعروف، قال خليل بن إسحاق المالكي:... فيفرض الماء والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة، وحصير وسرير احتيج له، وأجرة قابلة، وزينة تستضر بتركها ككحل ودهن معتادين وحناء ومشط، وإخدام أهله وإن بكراء ولو بأكثر من واحدة. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: وَالْمَقْصُودُ بِالنَّفَقَةِ تَوْفِيرُ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الزَّوْجَةُ مِنْ طَعَامٍ، وَمَسْكَنٍ، ‏وَخِدْمَةٍ، فَتَجِبُ لَهَا هَذِهِ الأْشْيَاءُ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ـ وَقَال ‏عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ.

بل لو استوحشت في غيبته ‏لوجب عليه توفير مؤنسة لها، جاء في المطالب على الغاية: وَتَلْزَمُهُ مُؤْنِسَةٌ لِحَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَكَان ‏مَخُوفٍ، أَوْ لَهَا عَدُوٌّ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ تُقِيمَ وَحْدَهَا بِمَكَانٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا ‏فِيهِ، وَتَعْيِينُ الْمُؤْنِسَةِ لِلزَّوْجِ، وَيُكْتَفَى بِتَأْنِيسِهِ هُوَ لَهَا.

وواجب الزوج الموازنة في الحقوق المادية بين الأولاد ‏والزوجة، فكما يوفّي حقوق الأبناء فكذلك عليه أن يوفّي حق الزوجة، ولا يسقط عن الأب شيء من مسؤولية البيت، فعليه مع الزوجة المعاشرة بالمعروف مع جميع ما ذكر، وعليه في الأبناء تأديبهم، قَال النَّوَوِيُّ في شرحه على صحيح مسلم مبينا بعض الحقوق المعنوية الواجبة على الآباء: إِنَّ عَلَى الأْبِ ‏تَأْدِيبَ وَلَدِهِ وَتَعْلِيمَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ، وَهَذَا ‏التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَى الأْبِ وَسَائِرِ الأْوْلِيَاءِ قَبْل بُلُوغِ الصَّبِيِّ ‏وَالصَّبِيَّةِ.

وجاء في تحفة المولود لابن القيم: وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالنَّظَرِ وَالاِعْتِبَارِ أَنَّهُ مَا أَفْسَدَ الأْبْنَاءَ مِثْل إِهْمَال الآْبَاءِ ‏فِي تَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ ‏مَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتَهُمْ، وَتَفْرِيطِهِمْ فِي حَمْلِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَزَجْرِهِمْ عَنْ ‏مَعْصِيَتِهِ، ‏وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى شَهَوَاتِهِمْ، يَحْسَبُ الْوَالِدُ أَنَّهُ يُكْرِمُهُ بِذَلِكَ وَقَدْ أَهَانَهُ، وَأَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَقَدْ ظَلَمَهُ وَحَرَمَهُ، ‏فَفَاتَهُ ‏انْتِفَاعُهُ بِوَلَدِهِ، وَفَوَّتَ عَلَيْهِ حَظَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ. ‏بتصرف من الموسوعة الفقهية.‏

علما بأن حقوق الزوجة المذكورة من النفقة وتوابعها إنما تلزم لها في حالة ما إذا كانت ممكنة من نفسها غير ناشز؛ وإلا فلا نفقة لها.
والله أعلم.

www.islamweb.net