هل يتجاوز الله عن ظلم العباد بعضهم بعضا

7-4-2014 | إسلام ويب

السؤال:
من المعلوم أن الله غفار للذنوب، لكن هل هناك حالات يمكن أن يغفر الله فيها حتى الذنوب التي تكون بين العبد والعبد؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن الذنب الذي يتعلق به حق للمخلوق، فإنه في الحقيقة يتعلق به حقان:

أولهما: حق الله تعالى حيث عُصِيَ جل في علاه, وكان حقه أن يطاع فلا يُعصى, وهذا الحق يغفره الله تعالى بالتوبة الصادقة المستجمعة لشروطها من الندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة.
ثانيهما: حق المخلوق, وهذا لا يتركه الله تعالى، فإما أن يعفو المخلوق عن حقه في الدنيا أو الآخرة, وإما أن يرضي الله ذلك المظلوم يوم القيامة حتى يعفو عمن ظلمه, وإما أن يقع القصاص, ومثال ذلك القتل العمد, فإنه يتعلق به حق لله تعالى؛ لأنه حرم القتل، فارتكب القاتل ما حرمه الله عليه, وهذا الحق يغفر بالتوبة, ويتعلق به أيضا حق للورثة, وهذا يغفر بإقامة الحد، أو عفوهم، أو أخذهم الدية.

وحق للمقتول, وهذا لا يضيعه الله تعالى أبدا لتمام عدله, ولا يلزم من هذا أن يُعذب القاتل، بل قد يعوض اللهُ المقتولَ يوم القيامة، ويرضيه حتى يعفو عن قاتله؛ وقد جاء في الحديث الصحيح: الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ – وذكر منها - وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا .... وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا: فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ. رواه أحمد وغيره. وجاء عند البيهقي في الشعب بلفظ: حَتَّى يَقْتَصَّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

قال ملا القاري في المرقاة: حَتَّى يَقْتَصَّ ( بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ): أَوْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَى بَعْضِهِمْ بِإِرْضَاءِ خُصُومِهِمْ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاقْتِصَاصِ قَائِمٌ مَقَامَ الدِّيَةِ فِي الدُّنْيَا ... اهــ.

وقال المناوي في التيسير: بَينهم الْقصاص يَوْم الْقِيَامَة ( لَا محَالة ) أَي لا بد أَن يُطَالب بهَا حَتَّى يَقع الْقصاص، وَهَذَا هُوَ الْغَالِب، وَقد يرضى بعض الْخُصُوم كَمَا فِي خبر . اهــ.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في توبة القاتل: فالصواب -والله أعلم- أن يقال إذا تاب القاتل من حق الله، وسلم نفسه طوعا إلى الوارث ليستوفي منه حق موروثه، سقط عنه الحقان، وبقي حق الموروث لا يضيعه الله، ويجعل من تمام مغفرته للقاتل تعويض المقتول؛ لأن مصيبته لم تنجبر بقتل قاتله، والتوبة النصوح تهدم ما قبلها، فيعوض هذا عن مظلمته، ولا يعاقب هذا لكمال توبته. اهــ.

إذا تبين هذا، فإنه يقال إن الله تعالى قد يتجاوز عن كل الذنوب ولو كانت متعلقة بحق المخلوق، وذلك حين يُرضيه يوم القيامة ليتنازل عن أخيه, فيعفو عن هذا، ويعوض هذا لكمال عدله، وعظيم رحمته, وقد جاء في حديث ضعيف السند - ولعله الذي أشار إليه المناوي بقوله: كما في خبر - رواه الحاكم مرفوعا: رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي " قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ، يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: " ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَّانِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ، وَقُصُورًا مِنْ ذَهَب، مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ. لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا، أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا، أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» اهــ.

والله أعلم.

www.islamweb.net