اللحن الخفي في الفاتحة لا يقع به الكفر، ولا تبطل به الصلاة

29-4-2014 | إسلام ويب

السؤال:
أنا مريض بالوسوسة في مخارج الحروف عند القراءة، وقد بدأت مؤخرًا تعلم علم التجويد على يد شيخ، وبما أنني قرأت أن اللحن الخفي لا تبطل الصلاة به، فكنت أقرأ الفاتحة في الصلاة، وإن لحنت لحنًا خفيًّا فلا أقوم بتصحيحه؛ لأنني أقول إن اللحن الخفي لا يبطل الصلاة، ولم أنتبه إلى أنه لا يجب تعمد اللحن في القراءة، سواء كان خفيًّا أم جليًّا، وقد قرأت مؤخرًا قولًا، لست أدري أصاحبه من العلماء أم لا، أن فعل ذلك ـ تعمد اللحن خفيًّا كان أم جليًّا في قراءة القرآن الكريم ـ يعد من الاستهزاء بآيات الله -والعياذ بالله- فبدأت كلما أخطأت في حرف أو مد أحاول تصحيحه، وفي أغلب الأحيان يركع الإمام وأنا لا زلت أقرأ الفاتحة، فأسرع لأدرك الإمام، وأحيانًا لا أصحح الخطأ لأدرك الإمام في الركوع، ومع علمي أنه ربما يكون كفرًا -والعياذ بالله- لم أقم بذلك، بل أركع ولا أصحح اللحن الذي أخطأت فيه رغم علمي بالحكم المذكور.
ومن أمثلة ما أقع فيه من أخطاء:
1ـ عدم مد ألف الضالين المد اللازم، أو عدم مراعاة المدود، أو عدم إعطاء جميع المدود المتشابهة نفس المقدار من الحركات.
2ـ قراءة التاء بطريقة ليست صحيحة، أي بالطريقة التي تعودنا النطق بها في بلادنا المغاربية ـ خفض اللسان إلى تحت بدل رفعه إلى فوق ـ وكما يقرأها بعض مشاهير القراء.
3ـ الضغط على مخرج النون في آخر الكلمة لأتأكد أنني قلتها؛ مما يؤدي إلى قلقلتها، أو العكس، أي لا أريد أن أجعلها مقلقلة فأحس أنني لم أنطقها.
وأحيانًا أحس كأنني لا أنطق لام الضالين مشددة، ولا أصحح؛ لأنني أقول في نفسي إنها وسوسة الشيطان، ومرة قلت في نفسي: حتى لو لم أنطقها فلا يضر ـ ربما قلتها لأنني أظن أنه لا يغير المعنى ـ وعندما انتبهت استغفرت الله، إذ كيف لا يضر أن أنقص حرفًا من الفاتحة.
وأحيانًا عند التسليم أحس كأنني لا أنطق جيدًا كلمة: السلام ـ فأعيدها فأكون كأنني سلمت بقولي: السلام السلام عليكم ورحمة الله ـ أي: أنني أكرر كلمة السلام، وبعد الصلاة أظل أفكر في الموضوع، وأحيانًا أعيد الصلاة، فأحس، -والعياذ بالله- كأنني أتلاعب.
وأيضًا أتجنب الصلاة بجانب شخص يعرفني حتى لا يعلم بالوسواس الذي بي، فهل ذلك من الشرك؟ علمًا أنه لا يهمني ذلك، أعني حتى لو علم من يعرفني، إلا أنني أتجنب ذلك حتى لا يحدثني في الموضوع، ولم أقم بإرسال السؤال قبل الآن؛ لأنني تحينت الفرصة لأكون منفردًا حتى لا تطلع زوجتي عليه، فهل فيما ذكرت ما هو كفر؟ وهل فيه ما به تبطل الصلاة؟ وماذا عليّ بالنسبة للصلوات السابقة؟ وإذا تعمدت اللحن الخفي في القراءة - لحنًا لا يغير المعنى- فهل يعد ذلك كفرًا -أعوذ بالله من الكفر والشرك-؟ وأنا لا أحب أن ألحن في القراءة؛ لأنني أعلم أن القرآن الكريم كلام رب العالمين، ولا يجوز اللحن في قراءته، لكنني عند القراءة أحاول ألا ألحن لكنني أفعل، والمصيبة أنني لا أصحح، فأكون كمن تعمد اللحن -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن اللحن الخفي لا يقع به الكفر، ولا تبطل به الصلاة، ولا يعتبر الوقوع فيه من الاستهزاء بالقرآن، ولكنه يستحب الاعتناء به لمن كان يقدر عليه، وقد قال علي القارئ: وينبغي أن تراعى جميع قواعدهم وجوبًا فيما يتغير به المبنى، ويفسد به المعنى، واستحبابًا فيما يحسن به اللفظ، أو يستحسن به النطق حال الأداء.

وأما اللحن الخفي فقال: لا يتصور أن يكون فرض عين يترتب العقاب على قارئه لما فيه من حرج عظيم. اهـ

وما دمت تعرف الوسوسة من نفسك، فعليك أن تعرض عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الوساوس، وأن تمضي في صلاتك بصورة عادية، غير مكترث بالتدقيق في كيفية النطق حتى يعافيك الله عز وجل، فقد حذر أهل العلم من الوسوسة في المخارج مبينين خطرها، وأنها من تلبيس الشيطان على المسلم، وليكن تركيزك على تدبر معاني القرآن، واستشعار الخشوع في الصلاة بدلًا من التركيز على كيفية النطق بالحرف، فإن الوسوسة في مخارج الحروف من مصائد الشيطان، كما أن تركيز المصلي على مخارج الحروف، وتعمقه في النطق بالتكبير، وغيره، وإغفال تفهم القرآن، والاتعاظ به من غرور الشيطان، قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف، والتنطع فيها، ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم: قال أبو الفرج ابن الجوزي: قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف، فتراه يقول: الحمد، الحمد، فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة، وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب، قال: ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده، والمراد تحقيق الحرف حسب، وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق، ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة، وكل هذه الوساوس من إبليس. انتهى.

 وأما إعادتك بسبب اللحن الخفي: فلا تشرع؛ لأن بعض الفقهاء ذكر منع إعادة الأفعال التعبدية لغير موجب شرعي، كما قال صاحب الكفاف:

وصرح الأشياخ بامتناع     إعادة النسك لغير داع. اهـ.

وأما سترك نفسك، وكتم ما أصبت به من الوسواس: فليس فيه محظور شرعي، ولا يعتبر من الشرك، بل إن بعض العلماء يرى أن كتم المصيبة أفضل، وجعله من كمال الصبر، كما قال الغزالي في إحياء علوم الدين: من كمال الصبر كتمان المرض، والفقر، وسائر المصائب، وقد قيل من كنوز البر: كتمان المصائب، والأوجاع، والصدقة. اهـ.

والله أعلم.

www.islamweb.net