حكم توعد الوالدين بالدعاء عليهما، وهل يجب استحلالهما من العقوق؟

29-5-2014 | إسلام ويب

السؤال:
تحدثني أمي في موضوع مثلًا، ‏فتحكم عليّ بشيء، أو تقول شيئًا ‏تظلمني فيه، وتملؤني غيظًا منها، ‏فأقول لها: "لا تجعليني أدعو عليك؛ ‏لظلمك لي" فهل عليّ شيء؟ وهل ‏عقوق الوالدين يستلزم طلب السماح ‏منهما؟ فنحن لم نربَ على مثل هذا، ‏ويمكن أن أفعل ذلك مع أمي، ولكن ‏يصعب ذلك مع أبي؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن عقوق الوالدين، وتوعدهما بالدعاء عليهما من أكبر الكبائر، فحق الوالدين عظيم عظيم، فقد قرن الله جل ‏جلاله الأمر بتوحيده بالإحسان إليهما في خمسة مواضع من كتابه.

فمهما بدر منهما من إساءة، فإن ذلك لا يعدل ‏قطرة في بحر جودهما، وإحسانهما إلى ولدهما، فلا يحل بحال مقابلة إساءتهما بالإساءة.

ومما يدل على هذا ‏الأصل من كتاب الله تعالى ما ذكره ‏الشيخ ‏السعدي في تفسير قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا ‏لَيْسَ ‏لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا ‏تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}، حيث قال: ولم يقل: "وإن جاهداك ‏على أن ‏تشرك ‏بي ما ليس ‏لك به علم فعقهما" بل قال: {فَلا تُطِعْهُمَا} أي: بالشرك، وأما برهما، ‏فاستمر عليه؛ ‏ولهذا قال: ‏‏{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا ‏مَعْرُوفًا} أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، ‏وأما اتباعهما ‏-وهما بحالة الكفر والمعاصي- فلا ‏تتبعهما.  انتهى

ولا يخفى قبح توعد الأم وتهديدها بالدعاء عليها، فقد قال الله تعالى:  فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا {الإسراء:23}.

  قال البغوي -رحمه الله-: يريد لا تقل لهما ما فيه أدنى تبرم، والأف والتف: وسخ الأظفار، ويقال ‏لكل ما يستثقل ويضجر منه، أف له. اهـ كلامه.

فكيف بالتهديد والوعيد؟!

وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (وقل لهما قولًا كريمًا) أي لينًا لطيفًا، مثل: يا أبتاه، ويا أمّاه من غير أن يسميهما، ويكنيهما، قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولًا كريمًا، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. اهـ.

فالواجب على الولد في معاملة والديه عند إساءتهما إليه التحلي بالصبر الجميل، ومقابلة ‏الإساءة بالإحسان إليهما، فإن ذلك من تمام برهما، ومن أسباب الأجر العظيم؛ فقد قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}.

وعلى الولد استحلال والديه من عقوقهما؛ لأنه ظلم لهما، وفي حديث البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ ‏لَا يَكُونَ دِينَارٌ، وَلَا دِرْهَمٌ, إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ, وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ ‏صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ.

وتقصير ‏الآباء في تنشئة الأبناء على مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال ليس عذرًا في ترك واجب الاستحلال، والاستسماح، ‏فإن الخطأ لا يبرر بالخطأ.‏

والله أعلم.

www.islamweb.net