الانتساب لأهل السنة والجماعة ليس من التفرق المذموم

24-9-2014 | إسلام ويب

السؤال:
لست منتميا لطائفة السُنة، ولا ‏لطائفة أخرى؛ قال تعالى: ‏‏((إِنَّ ‏الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ‏لَّسْتَ ‏مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)) ‏
فالله سبحانه قال: ((شيعا)) ‏والشيعة ‏هي الفرقة، وكما تعلمون ‏أن أهل ‏السنة والجماعة فرقة، بدليل ‏قولهم ‏إنهم الفرقة الناجية.‏
‏ فلماذا يتفرق ‏السنة، والطائفة ‏الأخرى، وباقي الفرق ‏الإسلامية، ‏وعندهم كتاب الله ليحكم ‏بينهم، ‏وهناك آيات كثيرة تنهى عن ‏التنازع ‏والتفرق. ‏
وهل كوني لست منتميا لطائفة ‏السنة، ولا لطائفة أخرى، ‏بل مسلما ‏فقط، بلا مذاهب، ولا فرق.‏
هل هذا خطأ؟ ‏
وإذا كان خطأ قل لي ‏السبب؛ لأني ‏مطبق للآية الكريمة: ‏‏((وَمَنْ أَحْسَنُ ‏قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ‏وَعَمِلَ صَالِحًا ‏وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ‏الْمُسْلِمِينَ)) فأنا أطبق ‏هذه الآية، فلا ‏أقول إني سني، ولا ‏غير سني، بل حنيفيٌّ، ‏مسلم فقط؟
وأرجو أن لا تستدلوا إلا ‏بالقرآن؛ ‏لأني لا أؤمن بالسنة إلا ما ‏وافق ‏القرآن، أو لم يخالفه؛ لذلك ‏فحديث ‏الفرقة الناجية عندي ‏مكذوب، ‏وموضوع يخالف القرآن. ‏

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية نقرر أن كل ما يتطلب إعمال ‏فكر، ويحتاج إلى رسوخ فهم، وطول ‏باع في النظر، لا يسوغ إسناده إلى ‏غير أهله المتمكنين منه، وعلى هذا ‏اتفق العقلاء! وأولى ما ينطبق عليه ‏ذلك: هو الكلام في دين الله تعالى، ‏وأحكام شريعته، فلا يجوز الخوض ‏فيها بغير علم، ولا يصح أن يُسأَل ‏عنها، أو يُرجَع فيها إلا للعلماء الذين ‏هم ورثة الأنبياء، كما قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم: وإن العلماء ‏ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم ‏يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا ‏العلم، فمن أخذه أخذ بخط وافر. ‏رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، ‏وابن حبان، وصححه الألباني. ‏
فإذا ضاع هذا الأصل، وتكلم في دين ‏الله تعالى غير العلماء، حصل الضلال ‏المبين، كما قال رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم ‏انتزاعا، ينتزعه من العباد، ولكن ‏يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا ‏لم يُبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا ‏جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، ‏فضلوا، وأضلوا. رواه البخاري، ‏ومسلم. ‏
والمقصود أن قضايا العلم، ومسائل ‏الشرع لا يجوز لغير أهل العلم أن ‏يخوضوا فيها، وإلا اتبعنا بذلك ‏خطوات الشيطان، كما قال عز وجل: ‏‏وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ ‏الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ‏الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ‏الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ ‏اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ ‏إِلَّا قَلِيلًا [النساء/83].‏
‏ قال السعدي: في هذا دليل لقاعدة ‏أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في ‏أمر من الأمور، ينبغي أن يولَّى مَنْ ‏هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا ‏يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى ‏الصواب، وأحرى للسلامة من ‏الخطأ. اهـ.‏
وأما جواب السائل، فنقول: صحيح ‏أن الله تعالى قد أمرنا بالاعتصام ‏بحبله جميعا، ونهانا عن التفرق ‏والاختلاف، كما في قوله سبحانه: ‏وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا ‏تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ ‏كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ‏فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا {آل عمران:103}. وقال: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {آل عمران:105}.

ولكن في الوقت نفسه، قد أخبر الله ‏عز وجل في كتابه أن الخلاف بين ‏البشر أمر لا مناص منه، والسعيد ‏هو من اتخذ لنفسه حجة تنفعه غدا ‏بين يدي الله، ولا يمكن ذلك إلا ‏بالاعتصام بكتاب الله، وسنة رسوله ‏صلى الله عليه وسلم، واتباع من ‏زكَّاهم الله عز وجل، ورسوله صلى ‏الله عليه وسلم، من الصحابة ‏والتابعين لهم بإحسان، قال تعالى: ‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً ‏وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* ‏إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود:118-119].‏
‏ قال ابن كثير: قوله: { إِلا مَنْ رَحِمَ ‏رَبُّكَ } أي: إلا المرحومين من أتباع ‏الرسل، الذين تمسكوا بما أمروا به ‏من الدين الذي أخبرتهم به رسل الله ‏إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتى كان ‏النبي صلى الله عليه وسلم الأمي، ‏خاتم الرسل والأنبياء، فاتبعوه ‏وصدقوه، ونصروه، ووازروه، ‏ففازوا بسعادة الدنيا، والآخرة؛ لأنهم ‏الفرقة الناجية، كما جاء في الحديث ‏المروي في المسانيد، والسنن، من ‏طرق يشد بعضها بعضا: "إن اليهود ‏افترقت على إحدى وسبعين فرقة، ‏وإن النصارى افترقوا على ثنتين ‏وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ‏ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار ‏إلا فرقة واحدة". قالوا: ومن هم يا ‏رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه ‏وأصحابي". رواه الحاكم في ‏مستدركه بهذه الزيادة. اهـ.‏
‏ وراجع الكلام على حديث افتراق ‏الأمة، ومعناه، ورتبته في الفتاوى ‏التالية أرقامها: 12682، 210628، ‏‏52059.
وأما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا ‏دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي ‏شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ ‏بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {الأنعام : 159}.

‏فقال ابن كثير في تفسيره: الآية ‏عامة في كل من فارق دين الله، ‏وكان مخالفا له، فإن الله بعث رسوله ‏بالهدى ودين الحق ليظهره على ‏الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف ‏فيه، ولا افتراق، فمن اختلف فيه ‏‏{وكانوا شيعا} أي: فرقا كأهل الملل ‏والنحل -وهي الأهواء، والضلالات- ‏فالله قد برأ رسوله مما هم فيه. ‏وهذه الآية كقوله تعالى: {شرع لكم ‏من الدين ما وصى به نوحا والذي ‏أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم ‏وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا ‏تتفرقوا فيه} [الشورى:13]. وفي ‏الحديث: "نحن معاشر الأنبياء أولاد ‏علات، ديننا واحد". فهذا هو ‏الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به ‏الرسل، من عبادة الله وحده لا شريك ‏له، والتمسك بشريعة الرسول ‏المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات، ‏وجهالات، وآراء، وأهواء، الرسل ‏برآء منها، كما قال: {لست منهم في ‏شيء}. اهـ.
وأما عدم الانتساب للمذهب السني، ‏أو غيره من حيث اللفظ، مع التمسك ‏باسم الإسلام، فهذا يقبل في حال، ‏ولا يقبل في أخرى! ففي حال ‏اجتماع الناس على معنى الإسلام ‏الذي ينتسبون إليه، فلا حاجة ‏للانتساب إلى غيره من الألقاب. ‏
وأما إذا اختلف الناس في معنى ‏الإسلام الذي ينتسبون إليه، ‏وتمسكت كل طائفة بما هي عليه، ‏وأصرت على كونه هو الصواب، فلا ‏يكفي المرء حينئذ أن ينتسب ‏للإسلام، وهذا أمر بيِّنٌ لمن تدبره.

‏وبعبارة أخرى فإنه عند انحراف ‏طائفة مبتدعة، وطعنها في أصول ‏الدين، وإعراضها عن سبيل ‏المؤمنين، وسبِّها لأفاضل الأمة، ‏وأكابرها، وقادتها بالباطل، بل ‏وتكفيرها لهم، فههنا لا يسع المرء ‏إلا أن يتبرأ منهم، ويظهر مخالفته ‏لهم. وقد قال الله تعالى: وَمَنْ ‏يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ‏الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ‏نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ ‏مَصِيرًا. [النساء: 115].
وأما طلب السائل أن لا نستدل إلا ‏بالقرآن، فهو طلب في غير محله، ‏ومبناه على فهم خاطئ لمكانة ‏السنة، وأهميتها في فهم القرآن، ‏وتطبيق أحكامه، وجهود أهل العلم ‏في تمييزهم بين ما صح منها، مما ‏لم يصح.

وعلى أية حال، فليعلم ‏السائل أن الله تعالى قد حفظ سنة ‏نبيه صلى الله عليه وسلم، حفظاً ‏لكتابه المجيد، ولا يمكن أن تتعارض ‏السنة المحفوظة، مع القرآن الكريم، ‏إلا كما يمكن أن تتعارض آيات ‏القرآن بعضها مع بعض، وذلك في ‏فهم بعض الناس لا في حقيقة الأمر، ‏وعندئذ فأهل العلم يبينون المشكل ‏من ذلك، ويوضحون مقاصده.

‏وراجع للفائدة عن ذلك الفتاوى ‏ذوات الأرقام التالية: ‏31742، 4588، 190683، 132402، 28205.
والله أعلم.

www.islamweb.net