حول المذهبية واعتقاد صحة جميع أقوال عالم بعينه وصحة كل ما في الكتب الستة

24-9-2014 | إسلام ويب

السؤال:
خالطت قوما من الأحناف، فوجدتهم ‏يبغضون علماء السعودية؛ لأنهم لا ‏يتقيدون بالمذهب الحنبلي، ويسمونهم ‏بأهل الحديث، هؤلاء لديهم أصول ‏مختلفة عما تعلمناه في الديار ‏السعودية، منها:‏
‏1. أنه لا بد لكل أحد أن يتقيد بمذهبه ‏تقيدا تاما؛ لأن الأقدم أعرف من ‏المتأخر، واطلع على مالم يطلع عليه غيره.‏
‏2. أنهم يفهمون قول أبي حنيفة رحمه ‏الله المشهور:(إذا صح فهو مذهبي) ‏أن جميع مذهبه صحيح دون استثناء؛ ‏لأنهم يقطعون أنه عمل بالأحاديث ‏الصحيحة، بل لم تظهر الأحاديث ‏الضعيفة-على زعمهم-إلا بعد القرون ‏الثلاثة المفضلة.‏
‏3. أن جميع الأحاديث المجموعة في ‏الكتب الستة، وغيرها صحيحة بغض ‏النظر عما اصطلح عليه المحدثون ‏من تقسيمها إلى صحيح، وحسن ‏و....، وأن التقسيم لتبيين درجة ‏الحديث لا غير، ويمثلون لذلك ‏بالخلفاء الراشدين أنهم سواء في ‏العدالة، لكنهم ذكروا على الترتيب ‏المعروف لتبيين درجة كل واحد منهم، ‏وإعطائه حقة من التعظيم.‏
‏4. ويستثنون من تلك الأحاديث ‏الموضوعات فقط، ويعتمدن في ‏معرفتها على كتاب جمعت فيه ‏الموضوعات-لا أذكره تحديدا-قد ‏يكون للسيوطي أو غيره.‏
هذا بعض ما يعتقدونه، ذكرته ‏باختصار، أرجو بذلك منكم أن ‏توضحوا لي الحق، وكيف على أرد ‏على من يحاجني بها.‏
وجزاكم الله خيرا.‏

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس ما يزعمه هؤلاء القوم بسديد، ‏بل هم مخطئون في عامة ما نسبته ‏إليهم‎.‎
‏ فأما وجوب التقيد بمذهب معين، ‏بحيث لا يخرج عليه الشخص في ‏قليل، ولا كثير، فدعوى باطلة، فإن ‏الله لم يوجب على عباده اتباع أحد ‏بعينه سوى رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم، وغاية هذه المذاهب أن ‏يكون تقليدها سائغا، ومن اتضح له ‏الحق في خلاف مذهبه، وجب عليه ‏ترك هذا المذهب، واتباع ما يراه ‏حقا، وأصحاب أبي حنيفة أنفسهم ‏فعلوا هذا، اقتداء به، واتباعا لما ‏أوصى به من تعظيم الحديث، ‏وتقديمه على كل ما عداه، فأبو ‏يوسف، ومحمد، وزفر قد خالفوا أبا ‏حنيفة في كثير من المسائل، مع ‏كونه أجل منهم، وأعظم قدرا، ولم ‏يقل واحد منهم إن أبا حنيفة أعلم ‏بالنص، وأدرى بالحجة منا، ‏فيتركون الحجة لقوله، بل أجلوا ‏إمامهم، وعظموه مع اعتقادهم أنه ‏ليس معصوما، وأنه قد يخفى عليه ‏بعض النصوص، فإذا ظهر لهم الحق ‏بخلاف قوله، تركوا قوله متابعة ‏للنص.‏
‏ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه ‏الله-: وهؤلاء الأئمة الأربعة -رضي ‏الله عنهم- قد نهوا الناس عن ‏تقليدهم في كل ما يقولونه، وذلك هو ‏الواجب عليهم؛ فقال أبو حنيفة: هذا ‏رأيي، وهذا أحسن ما رأيت؛ فمن ‏جاء برأي خير منه قبلناه؛ ولهذا لما ‏اجتمع أفضل أصحابه أبو يوسف، ‏بمالك، فسأله عن مسألة الصاع؛ ‏وصدقة الخضراوات؛ ومسألة ‏الأجناس؛ فأخبره مالك بما تدل عليه ‏السنة في ذلك، فقال: رجعت إلى قولك ‏يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما ‏رأيت، لرجع إلى قولك، كما رجعت. ‏انتهى.‏
‏ وهؤلاء العلماء الذين يخرجون عن ‏المذهب الحنبلي، إنما يخرجون عن ‏قول أحمد إلى قول من هو مثله من ‏الأئمة، ولا يخالفون إجماع الأمة؛ ‏فإن إجماعها معصوم، وهذا كما ‏خالف أبو يوسف، أبا حنيفة، وأخذ ‏بقول مالك، فأي تبعة، وأي تثريب ‏على حنبلي خالف أحمد في مسألة، ‏وأخذ فيها بقول الشافعي مثلا، لكونه ‏اعتقد أنه أقرب إلى السنة، إذا لم ‏يكن على أبي يوسف تثريب فيما ‏فعل، بل هو فيه مأجور، فاعل ما ‏وجب عليه. ‏
وأما ادعاء أن الأحاديث الضعيفة ‏إنما وجدت بعد عصر الأئمة، ‏وانقراض القرون الفاضلة، فكلام ‏منكر باطل، وذلك أن الكذب في ‏الحديث، والغلط فيه، والوهم، عرف ‏قبل ذلك، يدلك على هذا ما أخرجه ‏مسلم في مقدمة الصحيح، عن ‏مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ‏ابن عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، وَيَقُولُ: ‏قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ، وَلَا ‏يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَالِي ‏لَا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي، أُحَدِّثُكَ عَنْ ‏رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا ‏تَسْمَعُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنَّا كُنَّا ‏مَرَّةً، إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ ‏رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ ‏بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ، ‏وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا ‏نَعْرِف. اهـ.
فدلك هذا على أن السلف كانوا ‏يتحرون الحديث، فلا يأخذون إلا بما ‏يصح، وأن هذا وجد قبل عصر ‏الأئمة، وقبل ولادة أبي حنيفة، فكيف ‏يدعى بعد هذا، أن كل ما يحتج به ‏أبو حنيفة، أو غيره، صحيح؛ لأن ‏الأحاديث الضعيفة لم تكن عرفت؟!

‏وأما دعوى أن كل ما في الكتب ‏الستة صحيح، فكلام عار عن العلم ‏بمرة، بل كل من شم رائحة الحديث، ‏يعرف أن ما عدا الصحيحين قد ‏اشتمل على الحسن، والضعيف، بل ‏ربما وقع في تلك الكتب شيء من ‏المنكرات، والموضوعات، وإذا كان ‏أصحاب تلك الكتب كأبي داود، ‏والترمذي، والنسائي يحكمون على ‏كثير مما يخرجونه بالضعف، أو ‏الخطأ، أو النكارة فكيف يزعم بعد ‏هذا صلاحية جميع ما أخرجوه ‏للاحتجاج.‏
‏ والحاصل أن هذه إشارة عجلى إلى ‏بعض خطئهم فيما ذكرت عنهم، ‏وتفصيل القول في هذه المسائل ‏الكبار لا تحتمله هذه الفتاوى ‏المختصرة، فعليك بطلب العلم على ‏أهله الراسخين فيه، المعظمين ‏للسنن، المتبعين لها، العارفين بأقدار ‏الأئمة، المنزلين أهل العلم منازلهم، ‏بحيث لا يغلون فيهم، فيوجبون ‏اتباعهم، وينزلون أقوالهم منزلة ‏أقوال المعصوم، ولا يجفون عنهم، ‏فينتقصوهم، أو يزدروهم، بل نحن ‏نعرف أقدار أئمة الإسلام، وأنهم ‏الذين منَّ علينا الله بهم، فحملوا إلينا ‏هذا العلم الشريف، وعلمونا طرائق ‏الاستدلال، والاحتجاج، فلا نخرج ‏عن قول العالم، والإمام منهم إلا إلى ‏قول من هو مثله، أو أكبر منه، ولا ‏نخالف إجماعهم؛ فإن إجماعهم ‏حجة. ‏

والله أعلم.‏
 

www.islamweb.net