الجمع بين حديث: تعرض علي أعمالكم، وحديث: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك

12-11-2014 | إسلام ويب

السؤال:
سؤالي يتعلق بالحديث: أن النبي صلى الله يرى أصحابه على الحوض فيقول: أصيحابي، وتقول له الملائكة: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيعلم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعمل أصحابه بعد موته, وفي حديث آخر: أن أعمال أمته تعرض عليه في قبره، فبعد عرض الأعمال عليه كيف لا يعلم عمل أصحابه؟.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما حديث الحوض فثابت في الصحيحين وغيرهما، وأما عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته فقد روي فيها أحاديث مختلف في صحتها، منها حديث: حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم. عزاه العراقي في (طرح التثريب) للبزار بإسناد جيد عن ابن مسعود، وتبعه على تجويده جماعة، منهم القسطلاني والزرقاني، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. اهـ. وصححه السيوطي في (الخصائص الكبرى).
وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه البزار من حديث ابن مسعود ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون، وفي رواية الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف. اهـ.
وهذا أقرب إلى الدقة، وبتفرد ابن أبي رواد ضعفه الألباني وحكم عليه بالشذوذ (السلسلة الضعيفة 975)، وذكره بدر الدين السهسواني في (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) وقال: ولا يخفى عليك أن كون رجال الحديث رجال الصحيح أو كون سنده جيداً لا يقتضي صحة الحديث وجودته؛ لجواز أن يكون فيه انقطاع أو شذوذ أو علة أخرى. اهـ.
وتناول الدكتور عواد المعتق في بحثه (التوسل المشروع والممنوع) المنشور في العدد 74 من (مجلة البحوث الإسلامية) هذا الحديث وقال:
أولا: الحديث ضعيف بجميع طرقه، فالحكم عليه بالصحة غير صحيح ... 
ثانيا: أن الحديث معارض بحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن حذيفة بن اليمان أنه صلى الله عليه وسلم قال: «"ليردن على حوضي أقوام، ثم يختلفون فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». والشاهد من هذا الحديث قوله: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» والحديث الضعيف يقول: «تعرض علي أعمالكم» أي هو صلى الله عليه وسلم يعلم ما عليه أصحابه وغيرهم من أمته من خير أو شر، فإما أن نقول: السنة متناقضة، وهذا لا يقول به مسلم، أو نقول الحديث الضعيف غير صحيح كما قال الأئمة، وبذلك يزول الإشكال. اهـ.
وعلى افتراض صحة الحديث فالجمع بينه وبين الحديث الأول ذكره ابن الملقن في (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) فقال: فإن قلت: كيف خفي عليه حالهم مع إخباره بعرض أمته عليه؟ قلت: ليسوا من أمته كما قلناه، وإنما يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين والمنافقين. اهـ.
وذكر مثل ذلك العيني في (عمدة القاري)، وأشار إليه ابن حجر في (فتح الباري) وقال: وهذا يرده قوله في حديث أنس: "حتى إذا عرفتهم" وكذا في حديث أبي هريرة. اهـ.
وقال الزرقاني في (شرح المواهب) وفي (شرح الموطأ) عند حديث: "ما تدري ما أحدثوا بعدك" قال: واستشكل مع قوله: "حياتي خير لكم ... الحديث"، وأجيب بأنها تعرض عليه عرضا مجملا فيقال: عملت أمتك شرا عملت خيرا، أو أنها تعرض دون تعيين عاملها، ذكره الأبيُّ، وفيهما بعد، فقد روى ابن المبارك عن سعيد بن المسيب: "ليس من يوم إلا وتعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أعمال أمته غدوة وعشيا فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم"، وقد أجاب بعضهم بأن مناداتهم لزيادة الحسرة والنكال، إذ بمناداته لهم حصل عندهم رجاء النجاة، وقطع ما يرجى أشد في النكال والحسرة من قطع ما لا يرجى، ولا ينافيه قولهم: "إنهم بدلوا بعدك"؛ لأنه أيضا زيادة في تنكيلهم، وهي أجوبة إقناعية يرد على ثالثها رواية: "فأقول: رب إنهم من أمتي! فيقول: ما تدري ما أحدثوا بعدك". اهـ.
والله أعلم.

www.islamweb.net