حكم إلصاق باطني الكفين بالوجه عند الدعاء

7-4-2015 | إسلام ويب

السؤال:
هل يصح أن ألصق يدي على وجهي أثناء الدعاء من بدايته إلى نهايته، وطريقة ذلك أن تكون رؤوس الأصابع على الجبهة، والراحتان على الخدين، لأنني أجد راحة في ذلك؟.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من سنن الدعاء وآدابه المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم: رفع اليدين في الدعاء، قال النووي: قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء، وهي أكثر من أن تحصر، وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما. اهـ.

وللإمام البخاري جزء: رفع اليدين في الصلاة ـ ذكر فيه جملة من الأحاديث الواردة في رفع اليدين في الدعاء. وللسيوطي رسالة: فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء.

وقد جاءت صفات عدة لرفع اليدين في الدعاء، قد استقراها الإمام الحافظ ابن رجب في كتابه فتح الباري، قال رحمه الله: ولا أعلم أحدا من العلماء خالف في استحباب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء، وإنما اختلفوا في غيره من الدعاء، وإنما اختلفوا في صفة الرفع، على حسب اختلاف الروايات عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك في الاستسقاء، وقد روي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاستسقاء في هذا خمسة أنواع:

أحدها: الإشارة بإصبع واحدة إلى السماء، روى عامر بن خارجة بن سعد، عن أبيه، عن جده سعد، أن قوما شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قحط المطر، فقال: اجثوا على الركب، وقولوا: يا رب، يا رب، ورفع السبابة إلى السماء فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم ـ خرّجه الطبراني، والإشارة بالإصبع، تارة تكون في الدعاء، كما روى عن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كانَ يفعله في دعائه على المنبر، وتاره تكون في الثناء على الله، كما في التشهد، وكما أشار النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإصبعه بعرفة، وقال: اللَّهُمَّ، اشهد، وكما أشار بإصبعه لما ركب راحلته، وقال: اللَّهُمَّ أنت الصاحب في السفر، وروي عن أبي هريرة، أنه قالَ: إذا دعا أحدكم فهكذا ـ ورفع إصبعه المشيرة ـ وهكذا، ورفع يديه جميعاً ـ خرجه الوليد بن مسلم في كتاب الدعاء، وروى عن ابن عباس، قالَ: والاستغفار: أن يشير بإصبع واحدة، روي عنه مرفوعا وموقوفا، ذكره أبو داود، وروى عن عائشة، قالت: إن الله يحب أن يدعا هكذا ـ وأشارت بالسبابة ـ وروي عنها مرفوعا، وعن ابن الزبير، قالَ: إنكم تدعون أفضل الدعاء، هكذا، وأشار بإصبعه، وعن ابن سيرين، قالَ: إذا أثنيت على الله، فأشر بإصبع واحدة، وعن ابن سمعان، قالَ: بلغنا أنه الإخلاص، قالَ حرب: رأيت الحميدي يشير بالسبابة ـ يعني: في الدعاء ـ ويقول: هذا الدعاء، وذهب طائفة من العلماء إلى أن المصلي إذا قنت لا يرفع يديه في دعاء القنوت بل يشير بإصبعه، ذكره الوليد بن مسلم في كتابه، عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ويزيد بن أبي مريم وابن حبان وإبراهيم بن ميمون، ونقل ابن منصور، عن إسحاق بن راهويه، قالَ: إن شاء رفع يديه، وإن شاء أشار بإصبعه.

النوع الثاني: رفع اليدين وبسطهما، وجعل بطونهما إلى السماء، وهذا هوَ المتبادر فهمه من حديث أنس في رفع النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه في دعاء الاستسقاء يوم الجمعة على المنبر، وخرجه أبو داود من رواية محمد بن إبراهيم التيمي قالَ: أخبرني من رأى النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو عندَ أحجار الزيت باسطا كفيه، عني: في الاستسقاء، وقد خرج أبو داود وابن ماجه، عن ابن عباس مرفوعا: إذا سألتم الله فسلوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها ـ وإسناده ضعيف، وروى موقوفا، وروي أيضا عن ابن عمر وأبي هريرة وابن سيرين وغيرهم، وروى حرب، عن الحميدي، قالَ: هذا هوَ السؤال.

النوع الثالث: أن يرفع يديه، ويجعل ظهورهما إلى القبلة، وبطونهما مما يلي وجهه، وخرج أبو داود من حديث محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمير مولى آبي اللحم، أنه رأى النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقي عندَ أحجار الزيت، قائما يدعو، يستسقى، رافعا يديه قبل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه، وخرجه الإمام أحمد، وزاد: مقبلا بباطن كفيه إلى وجهه ـ وخرجه ابن حبان بهذه الزيادة، وخرجه جعفر الفريابي من وجه آخر، عن عمير، أنه رأى النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائما يدعو، رافعا كفيه قبل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه، مقبلا ببطن كفيه إلى وجهه، وخرج الإمام أحمد، من حديث خلاد بن السائب، أن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ إذا دعا جعل باطن كفيه إلى وجهه، وفي رواية لهُ أيضا: كانَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دعا جعل باطن كفيه إليه وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه، وفي إسناده اختلاف على ابن لهعية وخرجه جعفر الفرابي، وعنده في رواية لهُ: عن خلاد بن السائب، عن أبيه، أن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ إذا دعا جعل راحته إلى وجهه، وذكر الوليد بن مسلم، عن ابن سمعان، قالَ: بلغنا أن رفع اليدين إلى المنكبين دعاء، وأن قلبهما والاستقبال ببطونهما وجه الإنسان تضرع، وأن رفعهما إلى الله جدا ابتهال، وعن أبي عمرو، عن خصف الجزري، قالَ: رفع اليدين يعني يكفيه تضرع، وهكذا ـ يعني: قلبهما مما يلي وجهه ـ رهبة.

النوع الرابع: عكس الثالث، وهو أن يجعل ظهورهما مما يلي وجه الداعي، قالَ الجوزجاني: نا عمرو بن عاصم: نا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد، عن أنس، أن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى ودعا هكذا يقبل ببياض كفيه على القبلة وظاهرهما إلى وجهه، ثُمَّ قالَ: وفي هذا بيان أنه قلب كفيه، وجعل ظاهرهما إلى وجهه، وقد تقدم في حديث خلاد بن السائب هذه الصفة أيضا، وروي عن ابن عباس، أن هذا هوَ الابتهال، خرجه أبو داود، وعنه قالَ: هوَ استجارة، وروي عن أبي هريرة، أنه الاستجارة أيضا، خرجه الوليد بن مسلم، وروي عن ابن عمر، قالَ: إذا سأل أحدكم ربه، فليجعل باطن كفيه إلى وجهه، وإذا استعاذ فليجعل ظاهرهما إلى وجهه، خرجه جعفر الفريابي، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كانَ يدعو إذا رفع يديه حذو منكبيه، ظهورهما مما يلي وجهه.

النوع الخامس: أن يقلب كفيه، ويجعل ظهورهما مما يلي السماء، وبطونهما مما يلي الأرض، مع مد اليدين ورفعهما إلى السماء، خرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء، وخرجه الإمام أحمد، ولفظه: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقي، بسط يديه، وجعل ظاهرهما مما يلي السماء، وخرجه أبو داود، وعنده: استسقى ـ يعني: ومد يديه ـ وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتَّى رأيت بياض إبطيه، وفي رواية: وهوَ على المنبر، خرجها البيهقي، وخرج الإمام أحمد من رواية بشر بن حرب عن أبي سعيد الخدري، قالَ: كانَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقفا بعرفة يدعو، هكذا، ورفع يده حيال ثندوتيه ـ وهما للرجل كالثديين للمرأة ـ وجعل بطون كفيه مما يلي الأرض، وفي رواية لهُ أيضا: وجعل ظهر كفيه مما يل وجهه ورفعهما فوق ثندوتيه، وأسفل من منكبيه، وبشر بن حرب، مختلف فيهِ، وقد تأول بعض المتأخرين حديث أنس على أن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقصد قلب كفيه، إنما حصل لهُ من شدة رفع يديه انحاء بطونهما إلى الأرض، وليس الأمر كما ظنه، بل هوَ صفة مقصود لنفسه في رفع اليدين في الدعاء، روى الوليد بن مسلم بإسناده، عن ابن سيرين قالَ: إذا سألت الله فسل ببطن كفيك، وإذا استخرت الله، فقل هكذا ـ ووجه يديه إلى الأرض ـ وقال: لا تبسطهما، وروى الإمام أحمد، عن عفان، أن حماد بن سلمة وصف رفع النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه بعرفة، ووضع عفان يديه وكفيه مما يلي الأرض، وقال حرب: رأيت الحميدي مد يديه، وجعل بطن كفيه إلى الأرض، وقال: هكذا الابتهال، وحماد بن سلمة والحميدي من أشد الناس تشددا في السنة، وردا على من خالفها من الجهمية والمعتزلة ونحوهم، وقد ذهب مالك إلى رفع اليدين في الاستسقاء على هذا الوجه، وكذا ذكره أصحاب الشافعي: ففي شرح المهذب في الاستسقاء: قالَ الرافعي وغيره: قالَ العلماء: السنة لكل من دعا لرفع بلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإن دعا لطلب شيء جعل بطن كفيه إلى السماء. اهـ باختصار.

فهذه الصفات الواردة في رفع اليدين في الدعاء، وليس منها الصفة التي ذكرتها في سؤالك، وما ذكره ابن رجب في النوع الثالث: أن يرفع يديه، ويجعل ظهورهما إلى القبلة، وبطونهما مما يلي وجهه، لا يشبه الهيئة التي ذكرتها، إذ ليس فيه هذا النوع ـ إلصاق الكف وضعها على الوجه ـ والفرق ظاهر بين رفع الكف وجعل باطنها مقابل الوجه وبين وضع الكف على الوجه على الهيئة التي ذكرتها، وحيث لم ترد الهيئة التي ذكرتها: ففعلها غير مشروع، إذ الدعاء عبادة، فلابد من التقيد فيه بما ورد في الشرع، قال ابن عثيمين: اعلم أن دعاء الله تعالى من عبادته، لأن الله تعالى أمر به وجعله من عبادته في قوله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ـ وإذا كان الدعاء من العبادة، فالعبادة تتوقف مشروعيتها على ورود الشرع بها في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها ووقتها، ومكانها، وسببها. اهـ.

ومجرد وجدان الراحة في الهيئة التي ذكرتها لا يجعلها مشروعة، فعليك أن تعدل عنها، ويسعك أن تعمل بكيفية أو أكثر من الكيفيات الخمس المذكورة، ولو عملت بها كلها، فلا شك أنه أولى، لما فيه من التأسي والعمل بكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

 والله أعلم.

www.islamweb.net