هل شكوى الوالدين يعد عقوقا؟

26-8-2015 | إسلام ويب

السؤال:
توفي والدي -رحمه الله- يوم 25 شعبان في المستشفى، وأدركته قبل وفاته، وطلبت منه أن يسامحني، فسامحني، ولزمته إلى أن وافته المنية بعد يومين من لقائه.
وكانت بيننا قطيعة قبل وفاته استمرت ثلاثة أشهر بسبب مشاكل في التجارة؛ حيث طالبني بأن أملك له بيتًا في ملكيتي، وفعلت، وطالبني بمحل تجاري تحت تصرفي، فأعطيته المحل، وتحملت أنا ديونًا كبيرة لا طاقة لي بها، ولا أملك سدادها، إنما احتسبت ذلك عند الله، وطمعت أن يرزقني الله سدادها، وإنما في يوم من الأيام غضب -رحمه الله- غضبًا شديدًا ونطق: "أنا وربي ساخطان عليك، لا أنت ولدي، ولا أنا أبوك".
فهل يقع السخط في لحظة غضب؟ مع العلم أنه في اليوم الموالي اجتمعنا وخلصنا معاملات مع بعضنا وكأنه لم يقع شيء.
وهل من العقوق أني كنت أشكوه كثيرًا إلى الناس؟ مع العلم أن كل ما أخذه مني من ماله إنما كنت أتصرف فيه، وأعيل منه أسرتي ووالدتي وإخوتي، وطلبه رد أمواله وممتلكاته إنما لحاجته بسبب مرضه الشديد.
وهل دعائي له يستجاب ويعد من البر به؟
وجزاكم الله ألف خير.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن شأن الوالدين في الإسلام عظيم، فبرهما من أعظم القربات، وعقوقهما من أعظم المنكرات. ومن أعظم العقوق قطيعتهما أو هجرهما مهما كان سبب ذلك؛ جاء في كتاب أحكام الهجر والهجرة في الإسلام للبدراني: لا يجوز للمسلم أن يهجر والديه مهما بدر منهم إليه من الإساءة، والله تعالى يقول في شأن الوالدين الكافرين اللذين يدعوان إلى الكفر: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}. ويقول تعالى في الوالدين عمومًا: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}. وأي إساءة أعظم من الهجر؟! اهـ.

ولكن ما دام الوالد قد سامحك وصفح عنك قبل أن يتوفى فنرجو أن لا يلحقك شيء مما كان من ذلك.

ولا شك أن دعاءك له من البر به، وهو مستجاب -إن شاء الله-، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ينتفع به، حيث قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" وذكر منها: "ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.

فاجتهد في الدعاء له، وإذا استطعت أن تفعل خيرًا أو تتصدق عنه بصدقة جارية في ثوابه، فإنه ينتفع بذلك، وهو من أعظم البر به بعد وفاته.

أما مسألة شكواك منه للناس: فإن ذلك إن كان لمجرد الحكاية، لا لغرض الاستنصاح أو الاستعانة عليه بمن يأتيك بحقك أو يدفع عنك ضره، أو نحو ذلك من الأغراض المقصودة، فنرى أن ذلك من العقوق، ويدخل في الغيبة المحرمة، والتي تشتد قبحًا إن كان للوالد. وقد سئل الشيخ/ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب هذا السؤال: عندي والدة حفظها الله كلما طلبت مني أمراً لبيت طلبها بسرعة، ولا أتأفف أمامها، ولا أظهر لها التضجر، ولكن عندما أذهب إلى بعض أخواتي في الله أشكو لهن من والدتي بأن ما تطلبه والدتي كثير جداً، فهل يعتبر هذا من عقوق الوالدين؟ فأجاب: أرى أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه غيبة للوالدة، وإذا كانت هذه المرأة ترضي والدتها بما تطلب ابتغاء وجه الله، فإنه لا يجوز أن تمنَّ بذلك، أو أن تؤذي أمها بذلك بسبها عند صاحباتها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}[البقرة:264]، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وأن تقلع عنه في المستقبل، وأن ترجو بذلك -أي: بإرضاء والدتها بما تطلب- وجه الله عز وجل، وأن تسأل لها الهداية. اهـ.
وأما إن كان الشكوى لغرض مقصود -كالحصول على حق، أو دفع ظلم- فلا حرج فيها؛ قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في (الزواجر): العقوق لأحد الوالدين هو أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرمًا من جملة الصغائر، فينتقل بالنسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر ... خرج بقولنا: ما لو فعله مع غير والديه كان محرمًا، ما إذا طالب الوالد بدين عليه، فإذا طالبه به أو رفعه إلى الحاكم ليأخذ حقه منه، فإنه لا يكون من العقوق، فإنه ليس بحرام في حق الأجنبي، وإنما يكون العقوق بما يؤذي أحد الوالدين بما لو فعله مع غير والديه كان محرمًا، وهذا ليس بموجود هنا، فافهم ذلك فإنه من النفائس. وأما الحبس فإن فرعنا على جواز حبس الوالد بدين الولد كما صححه جماعة فقد طلب ما هو جائز فلا عقوق ... وأما مجرد الشكوى الجائزة والطلب الجائز فليس من العقوق في شيء، وقد جاء ولد بعض الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو من والده في اجتياح ماله، وحضر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من ذلك عقوقًا، ولا عنف الولد بسبب الشكوى المذكورة. اهـ.

والله أعلم.

www.islamweb.net