من يتحمل الخسارة إذا لم يلتزم المضارِب شرط رب المال؟

3-1-2017 | إسلام ويب

السؤال:
لقد قمت بشركة مضاربة مع صديقي، فدفعت له المال، ودخل هو بمجهوده، وقد أعطيته المال كاملًا منذ البداية، وذلك في المقاولات، ولكن بحجم صغير. على سبيل المثال: إذا كان هناك عقار على الطوب، يحضر العمال، ويقوم بالتشطيب، ويسلم العقار، ولكن الطموح زاد مع الوقت، وقال لي: إن من الأفضل أن نعمل في مدينة السادس من أكتوبر (بلد آخر)، ولكن كانت هناك عقبات، فلم نحصل على أي ربح، ومع سؤالي الدائم له عن العمل، قرر أن لا يكلمني في الموضوع ثانية، بحجة أنني أحبطه، وبعد ذلك كنت أسأله حتى أطمئن، فكان يخبرني أن العمل مستمر
في أوقات، ومتوقف في أخرى، ولكن بدون أي تفاصيل، واقترح عليّ أن نشتري سيارة، فرفضت، وأخبرته أننا لا زلنا في الأول، وعندما يكبر العمل سنشتري سيارة، واقترح أن نفتح مكتبًا، فرفضت لنفس السبب، ولكن بعد فترة وجدته فتح مكتبًا، فسألته عن تكلفة فرش المكتب، والإيجار، فلم يعطني إجابة، وكان يهرب من الكلام في هذا الموضوع، وكان يقول لي: في نهاية السنة نتحاسب، ومع ضغطي عليه في السؤال، وبعد عشرة شهور اعترف أنه صرف المبلغ كله تقريبًا، ولم يبق معه إلا القليل، فسألته: في أي شيء صرفت النقود؟ فأخبرني أنه دخل في البورصة، وخسر ألف جنيه، وكان ذلك بدون علمي، وأنه صرف الباقي على المواصلات، والمكتب، والمسكن، والأكل والشرب، ولم يستلم تقريبًا أي عمل، فسألته عن المدة التي قضاها، فقال: إنها طبيعة الشغل أن تأخذ وقتًا حتى تتعلم، وتكون قادرًا على أن تكون محل ثقة مدير الموقع؛ لتسليمك عملًا في الموقع، وبسؤاله عن الخسارة، طلب مني أن أتحملها أنا كاملة؛ لأنه بذل مجهودًا كبيرًا، وتم الاتفاق في البداية على أنني في حالة الخسارة أتحملها، ولكني لم أكن أعلم في أي شيء تنفق النقود، ولم أكن أعلم أنه سيتم صرف النقود دون وعي، مع العلم أني دخلت معه من البداية لمصلحتي أولًا، ولمصلحته ثانيًا، فقد كان في مقدوري إدخال النقود في شيء آخر، ولكن فضلت أن أعطيها له، خاصة أنه كان قد تخرج حديثًا، وكانت بينه وبين والده بعض المشاكل، فلم يستطع أن يطلب من والده نقودًا، فكانت من وجهة نظري مساعدة له، ومصلحة لي في نفس الوقت، فهل أتحمل الخسارة كاملة، أم يشترك معي في الخسارة، أم يتحمل هو الخسارة؟ وآسف جدًّا على الإطالة.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد نص الفقهاء على أن المضارب عليه التزام شروط رب المال، وما تم الاتفاق عليه في العقد المبرم بينهما، مما لا محذور فيه شرعًا؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالًا مضاربةً، اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرًا، ولا ينزل به واديًا، ولا يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ، فإن فعل، فهو ضامن، فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجازه. رواه البيهقي.

 وقال ابن قدامة في المغني: إذا تعدَّى المضارب، وفعل ما ليس له فعله،‏ أو اشترى شيئًا نُهي عن شرائه، فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي هريرة،‏‏ وحكيم بن حزام، وأبي قلابة، ونافع،‏‏ وإياس، والشعبي، والنخعي،‏‏ والحكم، وحماد، ومالك، والشافعي‏‏، وإسحاق، وأصحاب الرأي... ولنا أنه متصرف في مال غيره، بغير إذنه، فلزمه الضمان‏‏، كالغاصب.

  وجاء في مجلة الأحكام العدلية تحت المادة 1420-: يلزم المضارب في المضاربة المقيدة، مراعاة قيد وشرط رب المال مهما كان...

والمادة 1422-: إذا خالف المضارب حال نهي رب المال إياه بقوله: لا تذهب بمال المضاربة إلى المحل الفلاني، أو لا تبع بالنسيئة، فذهب بمال المضاربة إلى ذلك المحل، فتلف المال، أو باع بالنسيئة، فهلك الثمن، يكون المضارب ضامنًا.

ويؤيد ذلك أيضًا ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 122: المضارب أمين، ولا يضمن ما يقع من خسارة، أو تلف إلا بالتعدي، أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية، أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية، والمشتركة. اهـ.

وعليه؛ فما دام المضارب قد تعدّى ما أمر به، واستثمر المال في غير ما حدد له -كما ذكرت-، فهو ضامن للخسارة، وليس عليك تحملها؛ لأن رب المال إنما يتحمل الخسارة إذا حصلت من غير تعدٍّ، أو تفريطٍ من المضارِب.

 والله أعلم.

www.islamweb.net