الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الحال كما ذكرت من تفضيل أمك لبعض إخوتك عليك، وقيامها بالدعاء عليك دون مسوّغ، فهي ظالمة لك، لكن ذلك لا يسقط حقها عليك في البر، ولا يبيح لك رفع صوتك عليها أو الإغلاظ لها في الكلام أو نحو ذلك، وإنما الواجب عليك برها وطاعتها في المعروف، وإذا قمت بما يجب عليك من بر أمك فلا تكونين عاقة ولا يضرك دعاؤها عليك ـ بإذن الله ـ قال ابن علان:... ودعوة الوالد على والده أي إذا ظلمه ولو بعقوقه.
وقال المناوي: وما ذكر في الوالد محله في والد ساخط على ولده لنحو عقوق.
وإذا كنت حريصة على بر أمّك ولكن حصلت منك هفوة في حقها، فإن ذلك مظنة العفو من الله، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء: 25}.
قال القرطبي: وقال بن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين ـ أي صادقين في نية البر بالوالدين، فإن الله يغفر البادرة، وقوله: فإنه كان للأوابين غفورا ـ وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة.
فداومي على برّ أمّك وجاهدي نفسك على التأدب معها والرفق بها، واعلمي أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34}.
فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء فكيف بالوالدين اللذين هما أرحم الناس بولدهما؟ وأبشري خيرا ببركة برّك بأمك، فإنه من أحب الأعمال إلى الله ومن أعظم أسباب رضوانه.
والله أعلم.