أهمية التفريق بين العلة والحكمة في قاعدة الحكم يدور مع علته

2-11-2017 | إسلام ويب

السؤال:
إذا كان الشيء محرما لوقت معين، وعرفنا علة تحريمه، ثم زالت في زمن آخر. هل يزول التحريم؟
مثلا هل يجوز التسمية بأبي القاسم الآن؛ ﻷن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم توفي، أو بناء التماثيل؛ ﻷن الناس الآن تطور مستوى تفكيرهم، وأصبحوا لا يعتقدون أن بضعة حجارة قد تكون واسطة إلى الله؟
وإذا كان الأمر كذلك. فمن أين لنا أن نعرف أن علة التحريم هي فقط ما عرفناه، فقد تكون هناك علل أخرى حجبها الله عنا، وهذا يفتح باب حذف أشياء كثيرة من الدين. يعني هل العلة تدور مع الحكم؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن الحكم يدور مع علته باطراد وجودا وعدما، إذا كانت العلة تامة، وقطعية، وأما إذا لم تكن العلة تامة، أو لم تعرف بنص الشرع، فهنا يمكن أن يبقى الحكم مع عدم العلة. كما سبق في الفتوى رقم: 209059.

لكن من مثارات الغلط الشائعة فيما يتعلق بالعلة، هو عدم التمييز بين علة الحكم الشرعي، وبين الحكمة منه، فإن العلة: هي المعنى المنضبط الذي يناط به الحكم، وأما الحكمة: فهي مَا يَتَرَتَّب على ربط الحكم بعلته أَو سَببه، من جلب للمصالح، أو دفع للمفاسد؛ فالحكمة التي شرع لها الحكم لا يصلح بها التعليل، ولا يُستند عليها عند القياس، بخلاف العلة، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 287158.

وما ذكرته من المثالين هو من شواهد ذلك الغلط.

فأما ما يتعلق بالتماثيل: فإن سد ذريعة عبادة التماثيل إنما هو حكمة من حكم النهي عن صنع التماثيل وبيعها، وليس هو علة المنع، فعلة تحريم التماثيل: هو كونها صورة تامة ذات ظل لذي روح، وهذا محل إجماع بين العلماء المعتبرين، فلا يصح البتة إباحة التماثيل بحجة عدم عبادتها من دون الله، كما سبق بيانه بإسهاب في الفتوى رقم: 231577.

وأما مسألة اختصاص النهي عن التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم بحياته عليه الصلاة والسلام -عند من يقول بهذا القول-: فلأن علة النهي عندهم تقتضي اختصاص النهي بحياة النبي صلى الله عليه وسلم.

جاء في تحفة المودود لابن القيموقالت طائفة أخرى النهي عن ذلك مخصوص بحياته؛ لأجل السبب الذي ورد النهي لأجله، وهو دعاء غيره بذلك فيظن أنه يدعوه. واحتجت هذه الفرقة بما رواه أبو داود في سننه عن محمد بن الحنفية قال: قال علي -رضي الله عنه-: يا رسول الله إن ولد لي بعدك ولد، أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك، قال: نعم.

وقال حميد بن زنجوية في كتاب الأدب: سألت ابن أبي أويس: ما كان مالك يقول في رجل يجمع بين كنية النبي صلى الله عليه وسلم واسمه، فأشار إلى شيخ جالس معنا فقال: هذا محمد بن مالك، سماه محمدا وكناه أبا القاسم، وكان يقول إنما نهي عن ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كراهية أن يدعى أحد باسمه وكنيته، فيلتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فلا بأس بذلك.

 قال حميد بن زنجوية: إنما كره أن يدعى أحد بكنيته في حياته، ولم يكره أن يدعى باسمه؛ لأنه لا يكاد أحد يدعوه باسمه، فلما قبض ذهب ذلك، ألا ترى أنه أذن لعلي إن ولد له ولد بعده أن يجمع له الاسم والكنية، وإن نفرا من أبناء وجوه الصحابة جمعوا بينهما منهم محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن حاطب، ومحمد بن المنذر. اهـ.

والمسألة محل خلاف، وفيها أقوال عدة، أوصلها ابن حجر في فتح الباري إلى خمسة أقوال، وأطال في ذكر الأدلة ومناقشتها، وانظر الفتوى رقم: 2850.

وأما كيفية معرفة العلة: فهناك مبحث مستقل من مباحث علم أصول الفقه يعرف بمسالك العلة، ويعنُى ببيان طرق استخراج علل الأحكام الشرعية، والتمييز بين أنواع العلة، ومراتبها، وغير ذلك من أحكام العلة.

وانطلاق بعض المبطلين من تعليل الأحكام الشرعية، وجعله سببا للعبث بالأحكام بادعاء علل غير صحيحة ،لا يقتضي أبدا إنكار أصل التعليل، فكل أصول الدلالة المعتبرة يمكن أن يحتج بها المبطل على باطله بصورة غير صحيحة، ولا يقتضي ذلك بطلان تلك الأصول.

مع الإشارة إلى أن القول بتعليل الأحكام وإن كان قول عامة الفقهاء من جميع المذاهب، إلا أن الظاهرية ينكرون تعليل الأحكام الشرعية، وانظر في هذا الفتوى رقم: 315928.

والله أعلم.

www.islamweb.net