فضل بر الأم وحدود وجوب طاعتها

6-2-2020 | إسلام ويب

السؤال:
فضيلة المفتي: أنا شاب توفي والدي منذ اثنتي عشرة سنة تقريبا، وأنا أكبر إخوتي الأشقاء، وأعانني الله على رعاية أمي وإخوتي وهم ستة. وعند تقسيم الميراث في سنة 2009 أعطاني إخوتي الكبار غير الأشقاء أرضا مساحتها 638 مترا، ولكنني لم أستقل بها عن إخوتي الصغار وتركتها مع أرضهم.
وكنت آمل أن نكون لحمة واحدة طول الحياة، ولكن ظهرت أمور منكرة من بعض أخواتي، وأمي تدافع عنهن، وترفض تأديبهن على هذه المنكرات، وتقول كل واحد حر، ودع الملك للمالك. وإذا كلمت أحدا من أخوالي أو أقاربي ليتدخلوا في الموضوع، تقسم بالله أن الأشياء التي أذكرها عنهن لا تحصل وليست حقيقة، وتبكي وتستعطف السامع، رغم أنها تعلم يقينا أنها لا تقول الحقيقة، والذي يتثبت من حقيقة كلامي يقول: ليس لك دخل كل شخص حر.
تفاقمت الأمور وازدادت سوءا، لدرجة أنها من أجل أن تعاندني أجلست أخويّ من حلقة تحفيظ القرآن التي ألحقتهما بها، حتى ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، فقررت أن أنعزل عن إخوتي وعليّ بنفسي وأبنائي فقط.
فطلبت من إخوتي الكبار غير الأشقاء وعمي، أن يعطوني أرضي البالغة 638 مترا كما قرروا هم قديما. حدثت خلافات كبيرة جدا، وفي النهاية أعطوني فقط 490 مترا، وكنت قد بنيت منزلا من طابقين بفضل الله وعونه من مالي الخاص، وتعبي وجهدي ليس فيه شيء من مال ميراث أو مساهمة أحد منهم.
فتركت الطابق الأرضي لأخي الأصغر؛ لأنه ظُلم في قسمة الميراث من قبل الكبار، وحتى أبرئ ذمتي منه عند الله، وقد نصحت إخوتي فيه فلم يستجيبوا.
بعد هذا الملخص: إذا سلمت على أمي لا ترد السلام، وإذا أعطيتها شيئا ترفضه، وإذا دعوتها لبيتي ترفض، وتقول: لا أرضى حتى ترجع كل شيء كما كان، تهدم السور الذي بنيته على حدود أرضك، وتعيد الأرض جملة ولا تستقل بأرض، وتنفق على إخوتك، وليس لك أي علاقة بأفعالهم
علما أن المنكرات الموجودة عظيمة جدا، منها على سبيل المثال:
سرقة، محادثات هاتفية محرمة مع شباب، شغف وولع بالأفلام والمسلسلات والأغاني، التدخين وشرب الشيشة.
يا شيخ: أخاف على أولادي أن يقلدوا ما يشاهدونه، وينشؤوا عليه، أولادي صغار: خمس سنوات وسبع سنوات.
لذلك قررت الانعزال عن إخوتي، وبناء سور على أرضي وبيتي، بيتي والله لا مسلسلات فيه ولا أفلام، أعلم أولادي القرآن والحديث.
هل غضبها والحال هذه معتبر شرعا؟
هل رضا الوالدة سيف تسلطه كما تريد؟
علما والله أن أبي مات وهو راض عني، ويدعو لي.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

   فنشكرك على غيرتك على الدين، وانتهاك الحرمات، وحرصك على الإنكار على إخوتك، ونسأل الله عز وجل أن يرزقهم الهداية والصلاح.

ونوصيك بكثرة الدعاء لهم بخير، فالله عز وجل قادر على إصلاحهم، فالقلوب بين يديه، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجع آداب الدعاء في الفتوى: 119608.

  ورضا الأم من أعظم الطاعات ومن أفضل القربات، فاحرص عليه قدر الإمكان، واعمل على مداراتها والتلطف بها، فقد أوصى الله عز وجل بها وصية خاصة، فقال سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}.

 قال ابن حجر في فتح الباري: وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين. فسوى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة. اهـ.

وجعلت السنة لها ثلاثة أرباع البر، ففي الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ:" أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ". قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: وحديث أبي هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البر. اهـ.

وفي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة

لكن إن غضبت عليك لغير مسوغ شرعي كتسويرك لبيتك، أو قيامك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس من حقها ذلك، وطاعتها لا تجب بإطلاق، ولكنها مقيدة بضوابط؛ كما أوضحنا في الفتوى: 76303.

  ولكن نؤكد على ما ذكرناه سابقا من عملك على إرضائها ما استطعت.
 وننبه في الختام إلى أهمية المناصحة لإخوتك بالحسنى والرفق واللين، مع اختيار الوقت المناسب لتؤتي النصيحة ثمرتها.

 والله أعلم.

www.islamweb.net