الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أنواع علوم القرآن الكريم، علم عد آياته، وقد تنوعت طرق العلماء في عد الآيات، واختلفوا في مواضع كثيرة.
جاء في الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: فصل في عد الآي: أفرده جماعة من القراء بالتصنيف...
قال بعضهم: الصحيح أن الآية إنما تعلم بتوقيف من الشارع، كمعرفة السورة. قال: فالآية طائفة من حروف القرآن، علم بالتوقيف انقطاعها...
وقال الزمخشري: الآيات علم توقيفي، لا مجال للقياس فيه، ولذلك عدوا "الم" آية حيث وقعت، و "المص"، ولم يعدوا "المر", و "الر"، وعدوا "حم" آية في سورها، و "طه" و "يس" ولم يعدوا "طس".
قلت: ومما يدل على أنه توقيفي، ما أخرجه أحمد في مسنده من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زر، عن ابن مسعود، قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من الثلاثين من آل حم. قال: يعني الأحقاف. قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين ... الحديث.
وقال ابن العربي: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة سبع آيات، وسورة الملك ثلاثون آية. وصح أنه قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران. قال: وتعديد الآي من معضلات القرآن، ومن آياته طويل وقصير، ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام ومنه ما يكون في أثنائه.
وقال غيره: سبب اختلاف السلف في عدد الآي، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي للتوقيف. فإذا علم محلها وصل للتمام، فيحسب السامع حينئذ أنها ليست فاصلة.
قال الداني: أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية، ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك فمنهم من لم يزد، ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات، وقيل: وأربع عشرة، وقيل: وتسع عشرة، وقيل: وخمس وعشرون، وقيل: وست وثلاثون.
قال أبو عبد الله الموصلي في شرح قصيدته ذات الرشد في العدد: اختلف في عد الآي أهل المدينة، ومكة، والشام، والبصرة، والكوفة، ولأهل المدينة عددان...
قال الموصلي: ثم سور القرآن على ثلاثة أقسام: قسم لم يختلف فيه لا في إجمال ولا في تفصيل، وقسم اختلف فيه تفصيلا لا إجمالا، وقسم اختلف فيه إجمالا وتفصيلا. اهـ.
والمصحف المطبوع برواية ورش عن نافع -الذي تشير إليه- قد عُدت آياته وفق العد المدني الأخير.
وأما عن قوله سبحانه: (ألم) فقد اختلف في عدها آية.
جاء في القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز للمخللاتي: ألم، عده الكوفيون حيث وقع آية؛ لمشاكلته لما بعده من قوله تعالى: (لِلْمُتَّقيْن) ولما روي عن علي -رضي الله عنه- وغيره في عد آلم حيث وقع، وكهيعص وطه وحم آية، كما رواه الداني عن ابن شاذان عن أحمد عن خلف بن هشام عن سليم بن عيسى عن سفيان الثوري عن علي -رضي الله عنه-. ورواية حمزة عن الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه عد المص ويس وطه وطسم والطور والرحمن والحاقة والضحى والقارعة آيات مستقلة. وإنما لم يعدها الباقون؛ لعدم ورود هذا الأثر عليهم، لأن أسانيدهم لم تتصل إلى سيدنا علي -رضي الله عنه-، ولأنهن غير مشبهات لما بعدهن من الآي في القدر والطول، حيث كانت كل كلمة منهن صورة منفردة لا يختلط بها شيء ولا يتصل بها كلام، ففارقْنَ بذلك سائر الآي؛ لكونهن جملة كلم وعدة صور ولكون ما بعدهن متعلقاً بهنَّ لما قيل أنهن أقسم وتنبيهات. اهـ.
وكذلك آية الكرسي: قد اختلفوا في عدها آية أو آيتين.
قال المخللاتي: آية الكرسي قد عبرت في كثير من الأحاديث بآية واحدة، وقد عدها المدني الأول والشامي والكوفيون آية واحدة لظاهر لفظ الأحاديث.
وعدها الباقون آيتين أولاهما (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) والثانية (لَا تَأْخُذُهُ) إلى (الْعَظِيمُ) لأن كلمة القيوم مشاكلة لما قبلها ولما بعدها، ولانعقاد الإجماع على عد نظيره في أول آل عمران. اهـ.
وعلى القول بعدّ آية الكرسي آيتين، فإن فضلها متعلق بالآيتين كليهما، لا بواحدة منهما.
وراجع للفائدة، الفتويين: 75878، 173515.
والله أعلم.