الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك في فضل تقديم الأقارب وأولويتهم؛ لأن الصدقة على الأقارب تجمع بين الصدقة والصلة، ففي الحديث: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة. رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وصححه الأرناؤوط، والألباني.
وفي صحيح مسلم (2/ 694) عن زينب امرأة عبد الله، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزيء عني، وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من هما؟» فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أي الزيانب؟» قال: امرأة عبد الله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.
لكن إن كان الأباعد يحتاجون لأساسيات الحياة، كالطعام، والكسوة، أو الدواء، فربما يكون تقديمهم، والتصدق عليهم بثمنه أفضل من إعطاء قريبك جهازا قد لا تكون الحاجة له حاجة أساسية، بل يخشى أن يستخدمه عند الفراغ فيما لا يجوز.
قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: (الصدقة على المسكين) الأجنبي (صدقة) فقط، (وهي على ذي الرحم اثنتان)، أي صدقتان اثنتان (صدقة، وصلة)، فهي عليه أفضل؛ لاجتماع الشيئين، ففيه حث على الصدقة على الأقارب، وتقديمهم على الأباعد، لكن هذا غالبي، وقد يقتضي الحال العكس، ولهذا قال ابن حجر عقب الخبر: لا يلزم من ذلك أن يكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا؛ لاحتمال كون المسكين محتاجا، ونفعه بذلك متعديا، والآخر بعكسه. انتهى.
والله أعلم.