الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوصيف أو التكييف الفقهي لإيداع الأموال في مثل هذه المحافظ الإلكترونية، محل نظر وخلاف بين المعاصرين: فمنهم من يكيِّفها على أنها قرض -كما في الحاصل في الحسابات الجارية لدى البنوك-؛ باعتبار أن المؤسسة المنشئة للمحفظة تمتلك الأموال المودعة في محافظ العملاء، ولها الحقّ في التصرّف فيها، ولها نماؤها، وعليها ضمانها.
ومنهم من يكيّف العلاقة بين المؤسسة وصاحب المحفظة على أنها عقد سمسرة، والمؤسسة مجرد وسيط في الدفع بين العميل (صاحب المحفظة) وبين جهات الدفع -كالمتاجر، ومحطات الوقود-، أو المحافظ الأخرى.
ومنهم من يكيّفها على أنها عقد صرف، تُستبدَل فيه النقود المصرفية بنقود رقمية، والاستبدال بين النقدين هو حقيقة عقد الصرف.
ولا يخلو كل تكييف من نقد وإيراد!
والأظهر أنه أقرب للقرض من غيره، إلا إنه ليس قرضًا محضًا؛ لأن الغرض من القرض هو الإحسان والإرفاق بالمقترض، وهذا لا يقصده العميل، وإنما يقصد نفع نفسه بتسهيل مدفوعاته وتحويلاته.
ويتأكد هذا بأن المال في عقد القرض يكون بيد المقترض، ولا يتمكّن الـمقرض من التصرّف فيه، أما في المحفظة الرقمية، فالمال بيد العميل يتصرّف فيه متى شاء.
وكذلك قياس المحافظ الإلكترونية على الحسابات الجارية، وترتيب أحكام القرض عليها؛ فيه نظر! لأن الغرض الأصلي للعميل في الحساب الجاري، حفظ ماله، وإمكانية سحبه عند الحاجة، وهذا يقرّبه من حقيقة القرض. أما غرض العميل في المحفظة: فهو تسهيل مدفوعاته وتحويلاته، أما السحب النقدي فهو -مع إمكانه- ليس مقصدًا أصليًّا للعميل.
وما سأل عنه السائل: (حكم هذا السحب، وما يترتب عليه من جوائز وهدايا عينية من التطبيق للعملاء) هو فرع للتكييف الفقهي لإيداع الأموال في المحافظ الإلكترونية:
فمن أنزل عليه أحكام القرض من كل وجه؛ سيمنع التطبيق -باعتباره المقترض- من إعطاء الجوائز أو الهدايا للعميل مطلقًا -باعتباره المقرض-، كما هو الحال في الهدايا العينية من البنوك لأصحاب الحسابات الجارية.
ومن جعل له حكم القرض من وجه دون وجه؛ أباح ذلك بالشروط التي تحقّق المخالفة بين الهدية وبين النفع المجرور بالقرض للمقرض؛ وذلك بألا تكون الهدية مشروطة في أصل العقد، ولا مرتبطة بإيداع المال في التطبيق، ولا قدره، ولا مدة بقائه، وإنما تبذل لجميع المشتركين على حد سواء، بعد اشتراكهم بالفعل، وليس عند اشتراكهم.
وهنا ننوه بأن الهدايا التي تقدمها البنوك لأصحاب الحسابات الجارية، جرى في حكمها هي الأخرى خلاف بين المعاصرين:
فمنهم من منعها مطلقًا؛ تنزيلًا لأحكام القرض عليها، وهذا ما أخذت به المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، في المعيار (19) المتعلق بشأن القرض، وفيه: لا يجوز للمؤسسة أن تقدّم لأصحاب الحسابات الجارية بسبب تلك الحسابات وحدها هدايا عينية، أو ميزات مالية، أو خدمات ومنافع لا تتعلّق بالإيداع والسحب ... وليس في حكمها الجوائز والمزايا العامة التي لا تختصّ بأصحاب الحسابات الجارية. اهـ.
وجاء في مستند الأحكام: مستند تحريم الجوائز والهدايا إذا كان سببها هو القرض، بحيث إن من يقرض البنك يعطى من هذه الجوائز والهدايا، هو أنها من قبيل الهدية للمقرض قبل الوفاء، إذا كانت بسبب القرض. وأما مستند جواز الجوائز والهدايا إذا كانت عامة، فهو عدم ارتباطها بالقرض؛ فلا شبهة فيها. اهـ.
وجاء في المعيار (55) المتعلق بالمسابقات والجوائز: لا يجوز تخصيص أصحاب الحسابات الجارية بجوائز تقدمها المؤسسة إليهم. اهـ.
وجاء في قرار الهيئة الشرعية في شركة الراجحي المصرفية رقم: (355) بشأن الجوائز والهدايا على القروض: لا يجوز منح هدايا عينية خاصة بأصحاب الحسابات الجارية أو بعضهم؛ لأنها تدخل في الصور الممنوعة من صور القرض الذي جرّ نفعًا.
وقال الدكتور صالح اللحيدان في بحثه المحَكَّم: (منح الهدايا والمزايا المصرفية لعملاء الحساب الجاري): لا يجوز تقديم المزايا المادية لأصحاب الحسابات الجارية. اهـ.
ومنهم من أجاز ذلك، إذا لم يكن مشروطًا، ولا مقصودًا بالعقد، كما جاء في الفتوى رقم: (166) من الفتاوى الشرعية لبيت التمويل الكويتي: يجوز تخصيص أصحاب الحسابات الجارية من فئة معينة أو إطلاقًا ببعض المزايا على سبيل (الجوائز أو الهدايا) على أن لا يكون ذلك مشروطًا، ولا ملحوظًا عند فتح الحساب. اهـ.
وهذا هو ما يظهر لنا رجحانه؛ فيجوز قبول هذه الهدايا، طالما لم تكن مشروطة عند الاشتراك في التطبيق، ولم تكن مقصودة للمشترِك عند اشتراكه.
وإذا جاز قبول تلك الهدايا والجوائز، فيجوز الدخول في السحب -على النحو المذكور في السؤال-.
والله أعلم.