الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص أهل العلم على أن السكن الملائم الذي جرى به العرف من ضمن النفقة الواجبة على الوالد تجاه أولاده، ولكن ذلك مقيد بالاستطاعة والقدرة؛ فقد قال الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق: 7]، وللفائدة تراجع الفتويين: 113813، 119636.
وعليه؛ فإن كان والدك قادرًا على توفير مسكن ملائم يحفظ لكل منكم خصوصيته، ويوفر لكم بيئة نفسية هادئة، فيلزمه ذلك؛ لأنه داخل في الوسع، ويزداد الأمر تأكيد وقوع الضرر عليكم في المسكن الحالي. وقد تقرر في الشريعة أن الضرر يزال، وفي الحديث الذي رواه أحمد، وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار. وفي الحديث: كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت.
أمّا إذا كان عاجزًا عن ذلك، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وعليكم بالبحث عن السبل المتاحة لإزالة الضرر الواقع عليكم، كإقناع الوالدين بالسماح بالسكن الجامعي إن كان خاليًا من المحاذير الشرعية، ببيان المعاناة التي تمرين بها، وتأثيرها على صحتك النفسية والجسدية، والوالدان لا يشك في حبهما وحرصهما على صحة أولادهما.
مع الاستعانة بالله تعالى في طلب تحسن الحال، والتحلي بالصبر والرضا، ومما يساعد على ذلك أن ينظر الإنسان إلى حال من هم دونه ممن لا يجدون مأوى بالكلية.
وأمّا التوسع في الإنجاب، فلا يلام الوالدان عليه؛ فهو مما رغب فيه الشرع، وقد يفتح الله بسبب ذلك أبوابًا من الخير والسعة بسببه، فكم من إنسان كان يعاني الضيق والعوز، فتح الله عليه بعدما زاد نسله، وكثرت ذريته. وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216].
والله أعلم.