الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -وفقك الله- أن الرزق مقسوم، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فعلّق قلبك بالله تعالى، وثق بما في يده، وأيقن بسعة خزائنه، ثم عليك أن تطرق أوسع الأبواب لجلب الأرزاق، وهو باب دعاء الله تعالى، واللجوء إليه؛ فإن أزِمَّة الأمور كلها بيديه سبحانه، وتدبر قوله تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [فاطر: 2].
ومما يعينك على الخلاص مما أنت فيه:
أولًا: تحقيق تقوى الله تعالى.
ثانيًا: الإكثار من الاستغفار؛ فإنه جالب للخير بإذن الله، كما قال تعالى حكاية عن هود -عليه السلام-: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود: 52].
ثالثًا: الاجتهاد في الدعاء، وسؤال الله تيسير الأمور؛ فالأمور كلها بيديه سبحانه، ومردها إليه، وحده لا شريك له، وهو الذي لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وقد قال سبحانه: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر: 2].
فادعه صادقًا، مخلصًا، متضرعًا، فقد وعد الداعين بالإجابة، فقال -جل اسمه-: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]، وقال تبارك وتعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186].
رابعًا: الأخذ بالأسباب الحسية، والجد في البحث عن وظيفة مناسبة، فتبحث عن العمل بجوارحك، وقلبك معلق بالله الذي يسبب الأسباب، ويجعلها تثمر نتائجها.
فثق بالله، وفوض أمرك إليه، وارض باختياره لك، عالمًا أن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك، راضيًا بجميع ما يجري به القلم، ويمضي به القدر حتى ولو كان مكروهًا، واجعل نصب عينيك قول الله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216].
قال ابن القيم في الفوائد: والعبد -لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه- لا يعرف التفاوت بين ما منع منه، وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل -وإن كان دنيئًا- وبقلة الرغبة في الآجل -وإن كان عليا-. اهـ.
والله أعلم.