شبهات حول بناء المسجد على القبر والذبح والنذر لغيرالله

25-10-2005 | إسلام ويب

السؤال:
فأتوجّه بالشكر لإخواني العاملين بالشبكة الإسلامية وأسأل الله أن يعينهم على نشر السنة وقمع البدعة وعلى رفع راية الإسلام أنا شاب تونسي أقطن بقرية صغيرة تبعد عن المدينة حوالي 2 كم بها مسجد واحد بني حديثا، يوجد بهذا المسجد مشهد شركي عبارة عن قبّة يوجد تحتها قبر يزعم أنه لولي صالح، هناك من يزور هذا الوثن ويتقرب إليه بنذر أو نسك... وهناك من الناس من يعتقد فيه النفع والضر وقد اطلعت على بعض أقوال العلماء وبعض فتاوى الشبكة التي تخص الموضوع كالفتوى رقم 1530 وتبين لي أن الصلاة فيه محرمة، هنالك الكثير من الناس لم يقتنع بهذه الفتوى لوجود من يلبس عليهم ممن يدعون أنهم رجال دين وفقهاء ولا حول ولا قوة إلا بالله بعدّة شبه التي أرجو أن تردوها بأدلّة واضحة وبيّنة مع الاستشهاد ببعض أقوال العلماء المعروفين الشبه : 1- يستدلون بالحديث "إنما الأعمال بالنيات...." وأنهم مخلصون لله ولا يهم إن كان هنالك قبر أم لا فهم لا يعبدون هذا القبر. 2- القبر خارج المصلى وخلف المصلين (ولكنه داخل سور المسجد). 3- يقولون حتى إن كان القبر داخل المسجد فهذا قبر الرسول صلى الله عليه وسلّم وقبر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما داخل المسجد فلو كانت الصلاة محرمة في المسجد الذي فيه قبر لكان من باب أولى أن لا يصلّى في المسجد النبوي. 4- رجال الدين في القرية والمدينة المجاورة من المتعصبين للمذهب المالكي وهم يرون أن الصلاة فيه جائزة هذا مما جعل عامة الناس لا يقبلون حتى الاستماع إلى الحجج حتى أن منهم من يقول لك: متى أصبحت تصلي أنت، أتفتون بغير علم. 5- هنالك أيضا ممن يدعون العلم يؤول الآيات على غير ظاهرها، يتلاعب بعقول الناس وخاصة أن أكثرهم من الشيوخ والكهول. الرجاء منكم الرد على هذه الشبه وأن لا تحيلوني على فتاوي أخرى لحاجتى إلى نص الفتوى مسترسلا لأطبعه ساعيا بإذن الله بذلك أن أظهر بها الحق والله متم نوره ولو كره المشركون، وأسال الله أن يثقل بهذا العمل موازين حسناتكم ويرزقنا وإياكم الجنة. وأخيرا فأنا أسأل هل يجوز هدم سور المسجد وبناءه من جديد بحيث يصبح الوثن خارج السور وهل بهذا تصبح الصلاة في هذا المسجد جائزة أم لا؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبناء المساجد على القبور محرم وتحرم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر على الراجح من أقوال أهل العلم سواء كان القبر في القبلة أو في مؤخرة المسجد وسواء كان المقبور من الأولياء أو من عامة الناس، كما دلت على ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرات العلماء الأجلاء فمن ذلك ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

وما في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك.

وما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله.

وقال العلامة ابن قدامة رحمه الله في المغني: ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله زوارات القبور، المتخذات عليهن المساجد والسرج. رواه أبو داود والنسائي. ولفظه: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، ولأن فيه تضييعا للمال في غير فائدة، وإفراطاً في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر مثل ما صنعوا. متفق عليه، وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجداً، ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها، والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات، باتخاذ صورهم، ومسحها، والصلاة عندها. انتهى.

وقال العلامة البهوتي رحمه الله في كشاف القناع: ويحرم اتخاذ المسجد عليها أي: القبور وبينها لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. متفق عليه (وتتعين إزالتها) أي: المساجد، إذا وضعت على القبور، أو بينها (وفي كتاب الهدي) النبوي لابن قيم الجوزية (لو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة) تغليبا لجانب الحظر (وتقدم) ذلك (في) باب اجتناب النجاسة).

وفي هذا القدر كفاية لمن تجرد لقبول الحق، وأما المعاند فلن ينتفع ولو ملأت له الكراريس بالحجج والأدلة والبراهين والذي ينبغي فعله الآن هو هدم الجزء المبني على القبر أو فصل القبر عن المسجد.

وأما الشبه التي يتمسك بها هؤلاء فهي مثل بيت العنكبوت فحديث (إنما الأعمال بالنيات) لا دلالة فيه لما ذهبوا إليه فأين الدلالة فيه على مشروعية بناء المساجد على القبور أو الطواف حولها أو التمسح بها والنذر لها ونحو ذلك.

وأما كونهم مخلصين لله في العمل فهذا لا يعني أن عملهم صحيح فكم من مريد للخير لا يوفق له، وكم من مجتهد في أمر يظنه عبادة ويظن نفسه على خير وهو على ضلال لأنه لم يضبطه بالميزان الشرعي وكلام الأئمة العلماء، وليحذر هذا الغالط من أن يتناوله قول الله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {الكهف:103-104}، وقال ابن مسعود رحمه الله تعالى: وكم من مريد للخير لن يصيبه.

فحسن النية لا يلزم منه حسن العمل، بل لا بد من ضبط الأعمال بالكتاب والسنة، ثم ما كان منها مشروعا طلب من صاحبه أن يؤديه بصدق وإخلاص، وما كان ممنوعا طلب منه تركه والتحذير منه لا ممارسته بحسن نية ، وقد رأينا أن البناء على القبور منهي عنه فكيف يتعبد بذلك.

وأما الذبح للمقبور أو النذر له أو دعاؤه والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو شرك بالله تعالى، لما فيه من صرف العبادة لغير الله وفي صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من ذبح لغير الله.

وقد روى أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم. قال الشيخ الألباني: صحيح.

فانظر إلى تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الذبح لله في مكان كان يعبد فيه المشركون غير الله ويجعلونه مكانا لأعيادهم فما بالك بالذبح والنذر لغير الله، وأمر الله أن يكون الذبح له وحده فقال: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الأنعام:162}، ويقال لهؤلاء أترون الذبح والنذر والدعاء من العبادة أم لا؟ فإن قالوا: إن ذلك من العبادة، قيل لهم: فصرف العبادة لغير الله شرك ولا شك.

ويقال لهم: هؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سادة الأولياء وصفوة النجباء، هل ثبت عن واحد منهم أنه دعا قبرا أو استغاث به، أو ذبح له أو نذر له؟ حاشاهم رضي الله عنهم، فقد برأهم الله من هذا الباطل، فما لم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دينا.

وأما احتجاجهم بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه في المسجد النبوي فقد رد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على هذه الشبهة في كتابة القول المفيد على كتاب التوحيد، حيث قال: إذا قال قائل نحن الآن واقعون في مشكلة بالنسبة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه في وسط المسجد، فما هو جوابه؟ قلنا: الجواب على ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن المسجد لم يبن على القبر، بل بني المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد حتى يقال: إن هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دفن في بيته.

والوجه الثالث: أن إدخال بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق من الصحابة، بل بعد أن انقرض أكثرهم، ولم يبق منهم إلا القليل، وذلك عام 94هـ تقريباً، فليس مما أجازه الصحابة وأجمعوا عليه مع أن بعضهم خالف في ذلك، وممن خالف أيضا سعيد بن المسيب من التابعين فلم يرض بهذا العمل.

والوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد، فليس المسجد مبنيا عليه، ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً محوطا بثلاثة جدران، وجعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة أي مثلثا، والركن في الزاوية الشمالية، بحيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى لأنه منحرف.

فبهذا كله يزول الإشكال الذي يحتج به أهل القبور ويقولون هذا من عهد التابعين إلى اليوم، والمسلمون قد أقروه ولم ينكروه، فنقول: إن الإنكار قد وجد حتى في زمن التابعين، وليس محل إجماع، وعلى فرض أنه إجماع فقد تبين الفرق من الوجوه الأربعة التي ذكرناها. انتهى.

فالقبر إذن ليس في المسجد كما تبين، بل في حجرة مستقلة عن المسجد، فلا يقال بأن هذه بدعة ولا بد من نبش القبر، والقول في قبور الصاحبين كالقول في قبره صلى الله عليه وسلم لأنها -أي القبور- في حجرة واحدة، ولا حرج في هدم سور المسجد وبنائه من جديد بحيث يكون القبر خارجه -بل هو واجب- ولكنه يدخل في تغيير المنكر يسقط عن من لا يستطيعه.

والله أعلم.

www.islamweb.net