ومضات هاديات على طريق الإقلاع عن الفاحشة

16-3-2006 | إسلام ويب

السؤال:
الرجاء من سيادتكم أن يتسع صدركم لي حيث إني أكره نفسي من فعالي وأنكم ستكرهونني، أنا طبيب ملتزم نسبيا بل إني محسوب على المنضبطين وأداوم على الصيام والصلاة وأبكي كثيرا عند سماع بعض الآيات ولكنني من ناحية أخرى ضعيف أمام الجنس وللعلم أنا محصن وزنيت 6 مرات ثم أتوب وأقول إنها آخر مرة ثم أعود ثم أندم وأبكي وأنضبط ثم أعود وهذا الأمر مع امرأة واحدة محصنة وأمامي دوما أشعر أني مريض أو مجنون ماذا افعل لكي أتوب توبة نصوحا لا أعود بعدها أبدا وهل لي توبة من غير حد وهل أنا طبيعي أم مريض وهل هناك كفارة لهذا الأمر وكيف أخاف على توبتي بعد ذلك، الرجاء من سيادتكم سعة الصدر لي وإجابتي سريعا ومباشرة وليس إحالتي إلى إجابة عامة أو سابقة كما أسألكم الدعاء

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 فهنيئا لك بنعمة الإسلام والتأثر من سماع القرآن والالتزام النسبي الذي ذكرت، وأعظم بها من نعمة، وقد لا يكون ما أصابك نتيجة مرض وأنت طبيب أدرى منا بالأمراض، ويمكن أن تستشير بعض المواقع التي تعنى بالأمور الطبية والنفسية، ونسال الله أن يعفك ويطهر قلبك ويحصن فرجك وأن يفرج كربتك وكروب جميع المسلمين، وننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى وصدق التوبة والإنابة إليه والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{النور: 31}. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً {التحريم:8}. وقال تعالى : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{الأنعام: 54}.

وعليك أن تستر نفسك ولا تطلع أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

 وإليك بعض التوجيهات لعل الله ينفعك بها ويجعلها عونا لك على الإقلاع عن هذا الذنب العظيم.

 1-استشعار خطورة هذا الذنب وما توعد الله به أهله من العذاب في الدنيا والآخرة، واستشعار عظم جزاء أهل العفة، فقد عد الله تعالى حفظ الفروج ضمن صفات المؤمنين التي يستوجبون بها الفلاح ودخول الفردوس والخلود فيها. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ثم ذكر من صفاتهم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ثم ذكر جزاءهم فقال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون:1-11}.

 وقد قرنه تعالى بالشرك وقتل النفس، وتوعد مقارفي تلك الجرائم الشنيعة بالآثام، وقد فسر عكرمة الأثام بأودية في جهنم يعذب فيها الزناة، إلا أنه مع ذلك بشر التائبين بقبول توبتهم وتبديل سيئاتهم حسنات. قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ {الفرقان: 68-69}.

 ومن أعظم مظاهر خطورة الزنى ما ثبت في الأحاديث من نفي كمال الإيمان عن فاعله. ففي الحديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم. وفي الحديث: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه. رواه الحاكم والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.

ويضاف إلى هذا كونه من أسباب العذاب؛ ففي صحيح البخاري -في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الطويل- قال صلى الله عليه وسلم: ...... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة.. ثم قال له الملكان: ... والذي رأيت في الثقب الزناة.

ويضاف إلى هذا تذكر مخاطر الزنى الدنيوية كالإصابة بالإيدز والزهري والسفلس والسيلان والتفكك الأسري والعنوسة وانتشار الأولاد اللقطاء.

 2-استشعار خطورة فضحك لتلك المسكينة ولأهلها، وإفساد أخلاقها وأن تستشعر مدى خطورة ذلك في ذهنك لو فُعِل بإحدى أخواتك أو بناتك، وأن عليك أن تحب لهم من الخير ما تحب لنفسك، وأن تأتي إليهم ما تحب أن يأتوه إليك. ففي الحديث: من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. رواه مسلم.

 وقد روى أبو أمامة:  أن فتى شابا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى، فأقبل عليه القوم فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريبا فجلس، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.

 فاستشعر هذه المعاني ويمكن أن تضع يدك على قلبك وتدعو بهذا الدعاء النبوي  

 3- استعن بالله تعالى واستعذ به مما أصابك، واضرع إليه واسأله بإلحاح أن يعفك، ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

 والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه-. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.

 ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود:  إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان.

 4- أن تحرص على البعد عن هذه المرأة، فلا تنظر إليها، وتذكر دائما قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور:30]. وقوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً{الإسراء:36}.

 ولا تدخل عليها في مكان هي فيه امتثالا لحديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء. ولا تخلون معها في بيت ولا في مكتب ولا في سيارة، لحديث الصحيحين: لا يخلون رجل بامرأة. ، وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم:  لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.

 فاحرص يا أخي على البعد عنها ولو أدى الأمر إلى انتقالك إلى مدينة أخرى، وتذكر أن يوسف عليه السلام فضل السجن على القصر ليسلم من المعصية فدعا ربه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {يوسف:33-34}.

 وفي صحيح مسلم أن العالم الذي سأله قاتل مائة نفس عن التوبة قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.  

5- أكثر من ذكر الله دائما فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.

 6-الزواج بمن تستعف بها عن الحرام ولو استدعى الحال زواج أكثر من واحدة، وأن تستشعر أن الله يعينك ويرزقك الغنى. والأحسن الزواج بمن ذكرتها إن لم يكن هناك مانع شرعي . قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32}. وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32}. وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32}. نقل ابن كثير الأثرين عنهما. وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني. وفي الحديث : لم ير للمتحابين مثل النكاح رواه ابن ماجه وصححه الألباني . وفي الحديث أيضا: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

 فالاتصال بالزوجة من أنفع الوسائل في قمع النفس عن الأجنبيات، فقد بوب الإمام مسلم فقال: باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.

 7- الإكثار من الصوم للحديث السابق، فحاول أن تصوم الخميس والاثنين دائما، والأيام البيض والأيام الفاضلة، كعشر ذي الحجة وعاشوراء وإذا أمكن أن تصوم يوما وتفطر يوما فستنضبط غريزتك بإذن الله، وأكثر الدعاء عند الصوم بتسهيل أمورك وتسهيل زواجك بمن تعفك .

 8- استحضار مراقبة الله دائما، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاستحي منه أن يراك على معصية.

9- حافظ على الصلوات المفروضة في جماعة، وأكثر من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{العنكبوت:45}.

10- أكثر من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي والترغيب والترهيب للمنذري.

 11- حاول أن تلازم البيئات الصالحة والمساجد ومجالس العلم، وأن تصاحب من فيها من طلاب العلم وأهل الخير، وأن تشتغل بالتعلم والأعمال الصالحة معهم، واهجر مجالس السوء وأصحاب السوء، كما أوصى العالم قاتل المائة: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.

هذا وقد ذكر بعض العارفين بطب الأعشاب أن ابتلاع وزن درهم من الحناء يخفف من حدة الشهوة، وعليك كذلك بالتخفيف من أكل المثيرات للشهوة، كاللحوم والبيض وما أشبه ذلك.

 ثم إن الرياضة البدنية وإرهاق البدن في الخدمات الاجتماعية يستهلك كثيرا من الطاقة.

 كما أن عمل برنامج يستغرق طاقتك التفكيرية ويشغل جل وقتك بالاهتمام بتحصيل علم نافع، كحفظ القرآن أو كتاب من كتب الحديث أو بعض العلوم النافعة كاللغة والطب وغير ذلك، نقول: عمل برنامج من هذا القبيل أمر نافع لحالتك جدا، ومن الأفضل أن تتعاون في هذا البرنامج مع بعض الأصدقاء الطيبين حتى يكون ذلك حافزا لك على المتابعة والمنافسة.

والله أعلم.

www.islamweb.net