هل يحق للبائع الرجوع بحجة جهل الثمن وقت البيع

19-3-2007 | إسلام ويب

السؤال:
أبي يملك قطعة أرض مناصفة بينه وبين أخيه، أراد عمي بيع الأرض فأخبر أبي إما أن يقوم بالشراء أو يقوما بالبيع معاً فرفض أبي في أول الأمر، فعرض عمي الأول الأرض على أحد إخوته بمبلغ 440 جم للمتر فعرض أبي أن يشتريها علماً بأنه وقت البيع لم يكن أبي يعلم ما هي قيمة الأرض بل ارتضى ما طلبه عمي وبالفعل قام بسداد القيمة بالكامل وبعد شهر ونصف قمنا بعرض الأرض للبيع فاتصل من يعرض 500 جم إلى أن وصل السعر إلى 700 جم فعلم عمي فاخبرنا بأنه يرغب في رد الأرض استناداً إلى جهله بثمن الأرض وقت البيع ولاضطراره لبيع الأرض لشراء شقة لأحد أبنائه واستناداً لحديث "غبن المسترسل ربا" - هل يجوز رد البيعة استناداً على ما تقدم؟


الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان عمك رشيدا يملك أمر نفسه، وقد باع لأبيك سهمه من الأرض بالمبلغ الذي ذكرته، ولم يخدعه في ذلك ولم يغره، فليس من حقه بعد ذلك الرجوع عن البيع بحجة أنه يجهل ثمن الأرض وقت البيع.

وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء.

ففي درر الحكام وهو من كتب الحنفية: إذا وجد غبن فاحش في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمغبون أن يفسخ البيع.

وفي المهذب للشيرازي وهو شافعي: وإن اشترى شيئا فتبين أنه غبن في ثمنه لم يثبت له الرد; لما روي {أن حبان بن منقذ كان يخدع في البيع, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا بعت فقل: لا خلابة, ولك الخيار ثلاثا} ولم يثبت له خيار الغبن; ولأن المبيع سليم ولم يوجد من جهة البائع تدليس, وإنما فرط المشتري في ترك الاستظهار فلم يجز له الرد.

وفي كشاف القناع وهو من كتب الحنابلة: وأما من له خبرة بسعر المبيع ويدخل على بصيرة بالغبن, ومن غبن لاستعجاله في البيع, ولو توقف فيه ولم يستعجل لم يغبن, فلا خيار لهما لعدم التغرير.

وللمالكية أن الغبن في البيع إذا كان زائدا عن المعتاد كان في الرد به وعدم الرد قولان مع شروط مفصلة في مذهبهم. ففي شرح الدردير المالكي: (ولا) يرد المبيع (بغبن) بأن يكثر الثمن، أو يقل جدا (ولو خالف العادة) بأن خرج عن معتاد العقلاء...

وقال الدسوقي معلقا: (قوله ولو خالف العادة) أي هذا إذا كان الغبن بما جرت به العادة في مغالبة الناس بل, ولو كان الغبن بما خالف العادة, وقوله بأن خرج عن معتاد العقلاء أي في المغالبة وهذا تفسير للمبالغة الغير المعتادة, وأما المبالغة المعتادة فهي الزيادة على الثلث وقيل الثلث. ورد المصنف بلو قول ابن القصار أنه يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر من الثلث قال ابن رشد, وهو غير صحيح لقوله عليه الصلاة والسلام {لا يبع حاضر لباد دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض} اهـ. وقال المتيطي: قال بعض البغداديين إن زاد المشتري في المبيع على قيمته الثلث فأكثر فسخ البيع, وكذلك إن باع بنقصان الثلث من قيمته فأعلى إذا كان جاهلا بما صنع, وقام قبل مجاوزة العام وبهذا أفتى المازري وابن عرفة والبرزلي وابن لب ومشى عليه ابن عاصم في متن التحفة حيث قال:

ومن بغبن في مبيع قامـــا   * فشرطه أن لا يجوز العاما

وأن يكون جاهلا بما صنــع   * والغبن للثلث فما زاد وقع

وعند ذا يفسخ بالأحكـــام   * وليس للعارف من قيــام ا هـ .

قلت والعمل به مستمر عندنا بفاس اهـ. بن.

وأما حديث "غبن المسترسل ربا" فقد صرح أهل الحديث بأنه ضعيف جدا، مع أننا لو افترضنا صحته لما كان حجة للرد بالغبن؛ لأن الاسترسال معناه الاستئمان، أي أن الشخص إذا استأمن شخصا بأن قال له: أنا لا أعرف الأسعار فاشتر مني كما تشتري من غيري، فهذا إذا غبنه كان له الرد عند بعض أهل العلم كالحنابلة والمالكية في وجه، وليس له رد عند الحنفية والشافعية.

فالحاصل -إذاً- أنه ليس من حق عمك رد البيع المذكور إلا بإقالة من أبيك، مع أن الإقالة مرغب فيها في الشرع، فينبغي لأبيك ألا يفوته هذا الخير الكثير إن هو أقال عمك، ولكنه ليس ملزما به إذا لم يرد.

والله أعلم.

 

www.islamweb.net