الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أترك نصح من لا يتقبل نصيحتي ويقابلها بالاستهزاء؟

السؤال

سؤالي هو: إذا كنت أنصح شخصًا ما، لكنه لا يتقبل نصيحتي، بل يقابلني بالسخرية والاستهزاء أحيانًا، هل توقفي عن نصيحته يكون ذنبًا عليّ، وأنني هكذا لا أطبق شرع الله سبحانه وتعالى، في أن المرء يجب عليه أن ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حبيبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

أختي الفاضلة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الأعمال في الإسلام، ومن صفات المؤمنين المُصلحين، يقول تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، ولا ينبغي للمسلم أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان قادرًا على ذلك، فعلى المسلم أن يجتهد في بيان الخير للناس وما يصلحهم، حسب طاقته وقدرته، وكذلك ينهى عن المنكرات.

أختي الفاضلة: اعلمي أن الإسلام قد جعل النهي عن المنكر له مراتب، ينتقل المسلم من مرتبة إلى أخرى حسب استطاعته وحدود قدرته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فللنهي عن المنكر ثلاث مراتب: الأولى النهي باليد لمن يقدر على ذلك، ولا يترتب على نهيه أي منكر أكبر أو مفاسد، ثم النهي عن المنكر باللسان، ببيان حرمته وخطره وإظهار شره ومفاسده، ثم النهي عن المنكر بالقلب، ويكون ببغضه والابتعاد عنه وعن أهله، وبواحدة من هذه المراتب تبرأ ذمة الناصح.

أختي الفاضلة: الداعي إلى الله يتوقع أن يجد من الصدود والنكران والسخرية الشيء الكثير، وهذا الحال لا يسلم منه أحد سواءً من الأنبياء أو العلماء والدعاة والصالحين، فينبغي للمسلم أن يصبر، ويستعين بالله تعالى، ويُخلص قصده وعمله لله تعالى، ولا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر استطاعته مهما كانت الأسباب، يقول تعالى كما أخبر عن لقمان وهو يعظ ابنه: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور).

لذلك أختي الفاضلة لا بد من أن يجد الناصح من النكران والصد ما يحزنه ويؤلمه، وهنا لا بد -أختي الفاضلة- أن تتذكري سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكم واجه من المتاعب والاستهزاء والصد، لكنه صبر وبلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة -صلى الله عليه وسلم-، يقول تعالى: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين).

أختي الفاضلة: اجتهدي في البحث عن الوسائل النافعة، والأساليب المؤثرة في نصح هذا الشخص، فقد تكون بعض الوسائل منفرة، أو ربما فيها شدة أو غلظة أو قسوة، وهذا يؤدي إلى نتائج عكسية، كذلك اختاري الأوقات المناسبة، واجتهدي في الرفق والإحسان، وبذل الخير والمعروف، كتقديم الهدية والنصح في الخلوة دون العلن، وتكرار النصح دون يأس، أو حكم على الناس بالضلال.

أختي الفاضلة: لو أن كل ناصح أو ناهـٍ عن المنكر لم يُستجب له ترك الدعوة وترك النصح؛ لكان هذا سببًا في انتشار الفساد، وضلال الناس، وزيادة الانحراف والمنكرات بين الناس، ولهلك الناس جميعًا بمن فيهم الصالحون، لذلك كثير من العلماء يرى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة عليه من الكبائر، ويلحق صاحبه إثم، وقد جاء في الحديث (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) رواه أبو داود.

فاجتهدي -أختي الفاضلة- في إصلاح نفسك، وأن تكوني قدوة في الخير ومحاسن الأخلاق، وأكثري من الدعاء لنفسك، ولمن تدعينهم للخير، ولا تفكري في النتائج فهي عند الله، وما عليك إلا الاجتهاد في بذل الأسباب، من النصح واختيار الأسلوب المناسب والوسائل المؤثرة، والحرص على بلوغ ما نهدف إليه من نتائج بشكل عام، وأما تحقيق النتائج النهائية، فهي عند الله تعالى.

أسأل الله أن يوفقك للخير، ويعينك على الدعوة إلى الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً