الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تائب وأريد إصلاح ما بيني وبين الله، فكيف يكون ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولَّا: أشكركم على هذا المجهود الذي تقدمونه لمساعدة الناس، والله يجعله في ميزان حسناتكم.

أنا شاب، عمري 23 سنة، ولدي من الذنوب ما لديّ، وأحاول -إن شاء الله- إصلاح ما بيني وبين الله.

كنت أسرق لعائلتي النقود والأشياء الأخرى، والبارحة قرأت أنه على السارق التائب أن يرد الأشياء، وعرفت عائلتي أني كنت أسرق، وقد سامحوني، وهناك البعض منهم من لم يعرف بعد أني سرقت منه، فهل يمكنني أن أعترف لهم وأطلب منهم مسامحتي، أم أطلب من أحد أقاربي الذين يعلمون أن يساعدني في رد ديني؟ مع العلم أنه ليس بالمبلغ الكبير جدًّا، ولقد قدرته تقديرًا؛ حيث أني لا أتذكر المبلغ بالدقة.

أمَّا ثانيًا: أنا أعاني من الكثير من الكآبة والخوف والانهيار بسبب كثرة الظروف الصعبة في حياتي، والتنمر الذي مرَّ علي، ولا زال إلى اليوم، وأنا أتألم، ولا أجد أي حلاوة في الحياة. أستيقظ خائفًا أن أرى أو أقابل أصدقائي الذين يستغلون طيبتي ويظلمونني، وأنام خائفًا كلما تذكرتهم، فهم ينادونني بالمريض والجبان، ويتنمرون عليّ، وكلما حاولت الابتعاد عنهم وجدتهم أمامي.

أحاول دائمًا أن أخبر أهلي بما يجري لي من معاناة، وأخاف أن يكون هذا عقابًا من الله لذنوبي ويجب أن أتحمله، ولا أعرف ما يمكنني فعله، فأنا أحس بالضياع، وأكتب هذه الرسالة وقلبي مملوء بالخوف والقلق والهم، والإحساس بالنفاق الذي لا يفارقني منذ سنوات.

لا أريد شيئًا سوى إصلاح ما بيني وبين الله، وإسعاد والدي اللذين يحطمان قلبي كلما رأيتهما حزينان على حالي، ولا أستطيع إخبارهم بشيء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - أيها الكريم المبارك - في إسلام ويب، وردًّا على استشارتك نقول:

أولًا: قد يمر الإنسان في ساعة ضعف فيقع في بعض الذنوب والمعاصي، ثم يتذكر فيتوب ويرجع إلى ربه سبحانه وتعالى، وهذه طبيعة الإنسان، وقد قال (ﷺ): (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر الله لهم).

ثانيًا: لقد أحسنت حين طلبت المسامحة من بعض أفراد أسرتك، وعليك أن تستعين بهم بعد الله في طلب السماح من البقية، أو أن تتكلم أنت معهم مباشرة طالما والمبالغ يسيرة ولعل الله يلين قلوبهم خاصة إن علموا أنك قد تبت وندمت، فإن لم يسمحوا فاطلب منهم نظرة إلى ميسرة، فإن لم تجرؤ على ذلك فاستر نفسك، وأكثر من الأعمال الصالحة والاستغفار، ثم إن يسر الله أمورك رددت لكل واحد حقه، ولا يلزم أن يكون الرد مباشرة، بل يمكن أن يكون بواسطة، ولا يلزم أن يذكر اسمك.

ثالثًا: من مات من الناس الذين أخذت منهم المال دفعت الدين لأوليائه، أو تصدقت به على روحه بنية أن يصل أجر ذلك له في قبره.

رابعًا: عليك بالتوبة النصوح فبها تمحى الذنوب، ومن شروطها: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما حصل، والعزم على عدم العودة مرة أخرى، فإن كان في حقوق المخلوقين فرد حقوقهم يعد من شروط التوبة النصوح.

خامسًا: اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فإن ذلك سيولد في نفسك مراقبة الله تعالى، ويوجد حاجزا يمنعك من الوقوع في المعاصي، بل ويجلب لك الحياة الطيبة كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]

سادسًا: تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل ربك أن يتوب عليك، وأن يرزقك الاستقامة على دينه، والثبات عليه، وأكثر من دعاء نبي الله يونس عليه السلام (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله (ﷺ): (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

سابعًا: حافظ على أداء الصلاة في جماعة، وأكثر من النوافل المختلفة فإنها تذهب السيئات، كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).

ثامنًا: أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، ففي ذلك حسنات عظيمة، ويجلب الطمأنينة للقلب، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]

تاسعًا: يجب أن تغير صحبتك بحيث تتخير الرفقة الصالحة وتترك رفقاء السوء، فالرفيق الصالح يدل على الخير ويعين عليه، ولا يحتقر أخاه أو يستنقص منه أو يستغله، فإن فعلت ارتاح قلبك، وعليك ألا تهتم بما يقول أي سفيه إن واجهته، وأنا على يقين أنك إن استقمت على أمر الله تعالى سيدافع الله عنك.

أخيرًا: أصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين خلقه، كما ورد في الأثر.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لنا ولك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً