الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في الجمع بين الشركة والمضاربة

السؤال

أسست أنا وصديقي مشروعاً، واشتركنا بالمال والمجهود، ثم أدخلنا معنا شركاء بالمال فقط، وطبقنا نسبة 60% من الربح على التشغيل لصالحي أنا وصديقي، ثم توزع باقي الأرباح حسب رأس المال بما فيها أموالي أنا وصديقي. فهل هذه المعاملة صحيحة؟
وقمنا بعمل بعض التكاليف غير المباشرة في مكان نستأجره من رأس المال، واعتبرنا هذه التكاليف أصولاً مع باقي الأصول العينية. وعندما انتهى عقد الإيجار بالمكان الذى نستأجره تركنا تلك التكاليف وراءنا؛ لأنها لا يمكن استردادها، وكنا على علم بذلك من البداية. ونريد الآن خصمها من الأصول، واعتبارها تكاليف؛ لأنها لا تعد أصولاً؛ حيث إذا خرج أحد المساهمين سيأخذ أموالاً أكثر مما هو موجود بالفعل بالنسبة للأصول، ويريد صديقي اعتبارها خسارة، وتوزيعها على نسب رأس المال، وأنا أرى أنها تكاليف كان يجب خصمها قبل توزيع أي ربح من البداية، وبالتالي نتحمل منها 60%؛ لأن الربح كان سيقل بنفس المقدار، إذا كنا اعتبرناها تكاليف غير مباشرة مثل أي تكاليف في المشروع في البداية، فأي الرأيين الصواب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما السؤال الأول، فجوابه: أن صحة هذه المعاملة محل خلاف بين أهل العلم، وهي تجمع بين الشركة والمضاربة، ويمكن تصحيحها على مذهب الحنابلة.

قال الخرقي في مختصره: إن اشترك بدنان بمال أحدهما، أو ‌بدنان ‌بمال ‌غيرهما، أو بدن ومال، أو مالان، وبدن صاحب أحدهما، أو بدنان بمالهما، تساوى المال، أو اختلف، فكل ذلك جائز. والربح على ما اصطلحا عليه، والوضيعة على قدر المال. اهـ.

وقال ابن قدامة في «المغني» في شرح القسم الرابع: أن يشترك ‌مالان، ‌وبدن صاحب أحدهما. فهذا يجمع شركة، ومضاربة، وهو صحيح ... وقال مالك: لا يجوز أن يضم إلى القراض شركة، كما لا يجوز أن يضم إليه عقد إجارة. ولنا أنهما لم يجعلا أحد العقدين شرطا للآخر، فلم نمنع من جمعهما، كما لو كان المال متميزا. اهـ.

وقال أيضا: إذا دفع إليه ألفا مضاربة، وقال: أضف إليه ألفا من عندك، واتجر بهما، والربح بيننا، لك ثلثاه، ولي ثلثه جاز؛ وكان شركة، وقراضا. وقال أصحاب الشافعي: لا يصح؛ لأن الشركة، إذا وقعت على المال كان الربح تابعا له، دون العمل. ولنا، أنهما تساويا في المال، وانفرد أحدهما بالعمل، فجاز أن ينفرد بزيادة الربح، كما لو لم يكن له مال. اهـ.

وأما السؤال الثاني، فهو من مسائل القضاء، لا الفتوى؛ فإنه يحتاج إلى معرفة الواقع بتفاصيله، وحكم أهل الخبرة في مجال عملكم، وذلك أن إنفاق شيء من رأس المال في تجهيز مكان مستأجر، مع العلم بعدم إمكانية استردادها، قد يكون خارجا عن عرف التجارة، والاستثمار، وبالتالي لا يجوز للمضارب مثل هذا التصرف، فيضمنه من مال نفسه، ولا يصح حينئذ اعتبارها من جملة التكاليف، فضلا عن اعتبارها خسارة من رأس المال. ولا نرى وجها لاعتبار ذلك من الأصول العينية للمشروع، مع العلم بعدم إمكانية استردادها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني