الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يوفق الله الإنسان الظالم إلى فعل الحسنات؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استفساري حول الظلم:

الاستمرار في ظلم الناس أو ظلم شخص بحد ذاته، هل يوفق من يفعل ذلك للطاعات والنوافل، أم أن الله عز وجل يعاقبه بحرمانه من بعضها أو منها كلها؟

الشخص القائم على ظلم من حوله، هل يوفقه الله لقيام الليل وقراءة القرآن والدعاء، أم يحرمه منها أو من بعضها؟

هل الإنسان الظالم بشكل مستمر يهديه الله للطاعات والنوافل والدعاء وأعمال البر؟

إذا لم يشعر الظالم بظلمه واستمر عليه، فهل هناك علامة للتنبيه حتى يرتدع عن ظلمه وينتبه بأنه ظالم؟ أم أن الله يعمي بصره ويستمر على ظلمه، مع أنه يتقرب لله ويكثر من النوافل، ويدعو الله أن لا يكون ظالمًا بفعله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أسامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

الظلم واحدٌ من الذنوب الكبيرة التي حذَّر منها الشرع الكريم، سواء في آيات القرآن الكريم، أو في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو سبب للظلمات، سواء كانت هذه الظلمات في الدنيا بظلمات القلب وظلمات الحال، بأن يعيش الإنسان في أحوال غير سويّة تمامًا وغير مستقيمة، ويحيا حياة غير سعيدة مطمئنة اطمئنانًا كاملًا، أو كانت هذه الظلمات في الآخرة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الظُّلْمُ ‌ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

ولكن الظالم هذا إذا كان ظلمه ليس من قبيل الكفر؛ فإنه مُحاسبٌ على ظلمه، وسيُجازيه الله تعالى به إذا شاء سبحانه وتعالى ذلك، ولكن تُوزن له حسناته وسيئاته، وهذا يعني أنه سيفعل الحسنات، ووقوعه في الظلم لا يعني أن يُحرم من أن يُوفّق لعمل أي حسنة، وقد بيَّن النبي هذا المعنى بيانًا كاملًا في الحديث حين قال: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ)، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، ‌فَإِنْ ‌فَنِيَتْ ‌حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).

فهذا الحديث يُبيّن أن الظالم قد تكون له حسنات، وأنه يقضي ما عليه من المظالم من هذه الحسنات، فالله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، وأعلم أين يضع توفيقه وفضله، ولكن ينبغي للظالم أن يخشى على نفسه ويخاف الحرمان من التوفيق، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ ‌لَيُحْرَمُ ‌الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا).

وقد يُملي الله سبحانه وتعالى للظالم ويتركه بدون تنبيه أو بدون تحذير؛ لأنه يريد أن يجمع له سيئاته ويُجازى بها في الآخرة، وفي هذا قد جاء الحديث أيضًا بـ (إِنَّ اللَّهَ عز وجل ‌يُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ)، ثُمَّ قَرَأَ -صلى الله عليه وسلم-: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102].

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإيَّاك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات