الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قول: لو حدث كذا لما أصبحت حالنا للأسوأ

السؤال

ربط القدر المستقبلي مع الأسباب مثل قول: لو حدث كذا لما أصبحت حالنا للأسوأ، أو إذا وظَّفت فلانا فسوف يضر بالشركة، وإذا لم توظفه فلن يضر الشركة، أو ربط القدر المستقبلي بالأسباب.
فهل يصح قول ذلك مع الإيمان بأن كل شيء بمشيئة الله، أم لا يصح قول ذلك لأن القدر مكتوب لا محالة ولا يجوز ربطه بالأسباب فسواء وظف أم لا سيحدث ما هو مقدر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن دلت الأمارات واستقراء الأحوال على كون سبب معين أو حال معين، سيتسبب في حدوث شيءٍ ما في المستقبل، فلا حرج في التعبير عن ذلك وتعليقه على هذا السبب، مع اعتقاد نفوذ قضاء الله تعالى وقدره السابق، وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته.

ولكن يجب أن يكون التعبير على سبيل الظن، فيقول مثلا: إن صدق ظني فتعيين فلان سيضر بالشركة. أو: أظن أن تعيينه سيضر .. وهكذا.

وذلك أن المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله، فلا يصح للعبد الجزم به، ولكن يعبر عن ظنه، حتى ولو كان ذا فراسة صادقة، بل حتى ولو كان محدَّثا ملهَما، كحال الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن ‌عمر قال: ما سمعت ‌عمر لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن. بينما ‌عمر جالس، إذ مر به رجل جميل، فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو: لقد كان ‌كاهنهم، عليَّ الرجل. فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ‌ما ‌رأيت ‌كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني، قال: كنت ‌كاهنهم في الجاهلية ... الحديث.

والشاهد قوله: "لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان ‌كاهنهم".

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: كأنه قال: هذا الظن إما خطأ أو صواب، فإن كان صوابا فهذا الآن إما باق على كفره وإما كان كاهنا، وقد أظهر الحال القسم الأخير. اهـ.

وقال ابن الجوزي في «كشف المشكل»: أما صحة الظن فهو من قوة الذكاء والفطنة، فإن الفَطِن يرى من السمات والأمارات ما يستدل به على الخفي، ثم لا يُستَبعد هذا من مثل عمر المحدث الملهم. وقد قال بعض الحكماء: ظن العاقل كهانة. اهـ.

وهنا ننبه على أن الإخبار عن المستقبل عموما ينبغي تعليقه بمشيئة الله تعالى، ولو كان المرء يخبر عما يعلمه من نفسه، كما قال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف: 23، 24].

قال السعدي في تفسيره: نهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة: {إني فاعل ذلك} من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل الذي لا يدري هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا وذلك محذور محظور؛ لأن المشيئة كلها لله {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}. اهـ.

أما قول السائل: (سواء وظف أم لا سيحدث ما هو مقدر) فيه إغفال لقضية مهمة، وهي أن الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها قدرًا، فمن جملة ما هو مكتوب في القدر السابق ربط الأسباب بمسبباتها، كحصول الرزق بسبب كذا، وحصول المرض بسبب كذا، وغير ذلك. فالأسباب نفسها من جملة القدر. فإن فرض تخلف السبب فلا يمكننا الجزم بنفي حصول الشيء أو إثباته، فالله وحده هو الذي يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان سيكون.

قال ابن أبي العز -الحنفي- في شرح الطحاوية: هو سبحانه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن أن لو كان كيف يكون! كما قال تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}، وإن كان يعلم أنهم لا يردون، ولكن أخبر أنهم لو ردوا لعادوا، كما قال تعالى: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} .. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني