الظاهر أن التحقيق أنه لا ، فلو اشتراه من يشترط في الهدي أن يجمع به بين الحل والحرم منى ونحره بها من غير أن يخرجه إلى الحل أجزأه . قال النووي في " شرح المهذب " : وهو مذهبنا ، وبه قال ، ابن عباس وأبو حنيفة ، والجمهور . وقال وأبو ثور ابن عمر : لا هدي إلا ما أحضر وسعيد بن جبير عرفات . وقال في " المغني " : وليس من شرط الهدي أن يجمع فيه بين الحل والحرم ، ولا أن يقفه ابن قدامة بعرفة لكن يستحب ذلك . وروي هذا عن ، وبه قال ابن عباس ، الشافعي ، وأصحاب الرأي ، وكان وأبو ثور لا يرى الهدي إلا ما عرف به ، ونحوه عن ابن عمر ، انتهى محل الغرض منه . سعيد بن جبير
ومعلوم أن مذهب مالك : أنه بمنى ، إلا إذا وقف به بعرفة ، وإن لم يقف به لا يذبح هدي التمتع والقران بعرفة ذبحه في مكة ، ولا بد عنده في الهدي أن يجمع به بين الحل والحرم ، فإن اشتراه في الحرم لزمه إخراجه إلى الحل والرجوع به إلى الحرم وذبحه فيه ، وإنما قلنا : إن الظاهر لنا في هذه المسألة عدم اشتراط جمع الهدي ، بين الحل والحرم ; لثلاثة أمور .
الأول : أنه لم يرد نص بذلك يجب الرجوع إليه .
الثاني أن المقصود من الهدي نفع فقراء الحرم ، ولا فائدة لهم في جمعه بين الحل والحرم .
[ ص: 176 ] الثالث : أنه قول أكثر أهل العلم . وقال جماعة من أهل العلم : يستحب أن يكون الهدي معه من بلده ، فإن لم يفعل فشراؤه من الطريق أفضل من شرائه من مكة ، ثم من مكة ، ثم من عرفات ، فإن لم يسقه أصلا بل اشتراه من منى جاز ، وحصل الهدي اهـ .
وهذا هو الظاهر ، واحتج من قال : بأنه لا بد أن يجمع بين الحل والحرم ، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يهد هديا إلا جامعا بين الحل والحرم ; لأنه يساق من الحل إلى الحرم ، وأن ذلك هو ظاهر قوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ 2 \ 196 ] . وقد ثبت في صحيح وغيره أن البخاري اشترى هديه من الطريق ، ونحو ذلك من الأدلة ، ولا شك أن سوق الهدي من الحل إلى الحرم أفضل ، ولا يقل عن درجة الاستحباب ، كما ذكرنا عن بعض أهل العلم . أما كونه لا يجزئ بدون ذلك ، فإنه يحتاج إلى دليل خاص ، ولا دليل يجب الرجوع إليه يقتضي ذلك ; لأن الذي دل عليه الشرع أن المقصود التقرب إلى الله بما رزقهم من بهيمة الأنعام في مكان معين في زمن معين ، والغرض المقصود شرعا حاصل ، ولو لم يجمع الهدي بين حل وحرم ، وجمع هديه - صلى الله عليه وسلم - بين الحل والحرم محتمل للأمر الجبلي ، فلا يتمحض لقصد التشريع ; لأن تحصيل الهدي أسهل عليه من بلده ، ولأن الإبل التي قدم بها علي من اليمن تيسر له وجودها هناك ، والله جل وعلا أعلم . فحصول الهدي في الحل يشبه الوصف الطردي ; لأنه لم يتضمن مصلحة كما ترى ، والعلم عند الله تعالى . ابن عمر
ولا خلاف بين أهل العلم في أن ، أن له أن يركبها لما ثبت في الصحيحين ، عن المهدي إن اضطر لركوب البدنة المهداة في الطريق : " أبي هريرة " هذا لفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يسوق بدنة فقال : " اركبها " . قال : يا رسول الله ، إنها بدنة ، فقال : " اركبها ويلك " في الثانية أو في الثالثة مسلم . ولفظ ، فقال : " اركبها " فقال : إنها بدنة فقال : " اركبها " ، قال : إنها بدنة فقال : " اركبها ، ويلك " في الثانية أو في الثالثة " وروى البخاري مسلم نحوه عن أنس ، وجابر - رضي الله عنهما - .
واعلم أن أهل العلم اختلفوا في ، فذهب بعضهم إلى أنه يجوز للضرورة دون غيرها ، وهو مذهب ركوب الهدي ، قال الشافعي النووي : وبه قال ابن المنذر ، وهو رواية عن مالك ، وقال ، عروة بن الزبير ومالك ، وأحمد ، وإسحاق : له ركوبه من غير حاجة ، بحيث لا يضره . وبه قال أهل الظاهر ، وقال أبو حنيفة : لا يركبه إلا إن لم يجد منه بدا ، وحكى القاضي عن بعض العلماء أنه أوجب ركوبها لمطلق الأمر ولمخالفة ما كانت [ ص: 177 ] الجاهلية عليه من إهمال السائبة والبحيرة والوصيلة والحام .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر الأقوال دليلا عندي في ركوب الهدي واجبا أو غير واجب : هو أنه إن دعته ضرورة لذلك جاز وإلا فلا ; لأن أخص النصوص الواردة في ذلك بمحل النزاع وأصرحها فيه ما رواه مسلم في صحيحه : وحدثني محمد بن حاتم ، حدثنا ، عن يحيى بن سعيد : أخبرني ابن جريج أبو الزبير قال : سمعت ، جابر بن عبد الله " . وفي رواية عنه في صحيح سئل عن ركوب الهدي ؟ فقال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا مسلم : " " اهـ . فهذا الحديث الصحيح فيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن ركوب الهدي إنما يجوز بالمعروف ، إذا ألجأت إليه الضرورة ، فإن زالت الضرورة بوجود ظهر يركبه غير الهدي ترك ركوب الهدي ، فهذا القيد الذي في هذا الحديث تقيد به جميع الروايات الخالية عن القيد ; لوجوب حمل المطلق على المقيد ، عند جماهير أهل العلم . ولا سيما إن اتحد الحكم والسبب كما هنا . اركبها بالمعروف حتى تجد ظهرا
أما حجة من قال : بوجوب ركوب الهدي ، فهي ظاهرة السقوط ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يركب هديه كما هو معلوم . وأما حجة من أجاز الركوب مطلقا ، فهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ، وقوله تعالى : ويلك اركبها لكم فيها منافع إلى أجل مسمى [ 22 \ 33 ] ، على أحد التفسيرين ، ولا تنهض به الحجة فيما يظهر ; لأنه محمول على كونه تدعوه الضرورة إلى ذلك ، بدليل حديث جابر عند مسلم الذي ذكرناه آنفا فهو أخص نص في محل النزاع ، فلا ينبغي العدول عنه ، والعلم عند الله تعالى ، والظاهر أن ، عن ولدها لا بأس به ; لأنه لا ضرر فيه عليها ولا على ولدها . وقال بعض أهل العلم : إن ركبها الركوب المباح للضرورة ونقصها ذلك فعليه قيمة النقص يتصدق بها . وله وجه من النظر . والعلم عند الله تعالى . شرب ما فضل من لبنها
وإنما قلنا : إن الظاهر أنه لا فرق في الحكم المذكور بين الهدي الواجب وغيره ; لأنه صلى الله عليه وسلم قال لصاحب البدنة " اركبها " ، وهي مقلدة نعلا ، وقد صرح له تصريحا مكررا بأنها بدنة ، ولم يستفصله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هل تلك البدنة من الهدي الواجب أو غيره ، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال كما تقدم إيضاحه مرارا . وقد أشار إليه في [ ص: 178 ] " مراقي السعود " بقوله :
ونزلن ترك الاستفصال منزلة العموم في الأقوال