الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد الله بن عمرو بن العاص ( ع )

                                                                                      ابن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب .

                                                                                      [ ص: 80 ] الإمام الحبر العابد ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه ، أبو محمد ، وقيل : أبو عبد الرحمن . وقيل : أبو نصير القرشي السهمي .

                                                                                      وأمه هي رائطة بنت الحجاج بنت منبه السهمية ، وليس أبوه أكبر منه إلا بإحدى عشرة سنة أو نحوها .

                                                                                      وقد أسلم قبل أبيه في ما بلغنا ، ويقال : كان اسمه العاص ، فلما أسلم ، غيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله .

                                                                                      وله مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل ، حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علما جما .

                                                                                      يبلغ ما أسند سبعمائة حديث اتفقا له على سبعة أحاديث ، وانفرد البخاري بثمانية ، ومسلم بعشرين .

                                                                                      وكتب الكثير بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - وترخيصه له في الكتابة بعد كراهيته للصحابة أن يكتبوا عنه سوى القرآن وسوغ ذلك - صلى الله عليه وسلم - ثم انعقد الإجماع بعد اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - على الجواز والاستحباب لتقييد العلم بالكتابة .

                                                                                      [ ص: 81 ] والظاهر أن النهي كان أولا لتتوفر هممهم على القرآن وحده ، وليمتاز القرآن بالكتابة عما سواه من السنن النبوية ، فيؤمن اللبس فلما زال المحذور واللبس ، ووضح أن القرآن لا يشتبه بكلام الناس أذن في كتابة العلم ، والله أعلم .

                                                                                      وقد روى عبد الله أيضا عن أبي بكر ، وعمر ، ومعاذ ، وسراقة بن مالك ، وأبيه عمرو ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي الدرداء ، وطائفة ، وعن أهل الكتاب ، وأدمن النظر في كتبهم ، واعتنى بذلك .

                                                                                      حدث عنه : ابنه محمد على نزاع في ذلك ، ورواية محمد عنه في أبي داود والترمذي والنسائي ، ومولاه أبو قابوس ، وحفيده شعيب بن محمد ، فأكثر عنه ، وخدمه ولزمه ، وتربى في حجره ، لأن أباه محمدا مات في حياة والده عبد الله ، وحدث عنه أيضا مولاه إسماعيل ، ومولاه سالم ، وأنس بن مالك ، وأبو أمامة بن سهل ، وجبير بن نفير ، وسعيد بن المسيب ، وعروة ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وزر بن حبيش ، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وخيثمة بن عبد الرحمن الجعفي ، وأبو العباس السائب بن فروخ الشاعر ، والسائب الثقفي والد عطاء ، وطاوس ، والشعبي ، وعكرمة وعطاء ، والقاسم ، ومجاهد ، ويزيد بن الشخير ، وأبو المليح بن أسامة ، [ ص: 82 ] والحسن البصري ، وأبو الجوزاء أوس الربعي ، وعيسى بن طلحة ، وابن أخيه إبراهيم بن محمد بن طلحة ، وبشر بن شغاف .

                                                                                      وجنادة بن أبي أمية ، وربيعة بن سيف ، وريحان بن يزيد العامري ، وسالم بن أبي الجعد ، وأبو السفر سعيد بن يحمد ، وسلمان الأغر ، وشفعة السمعي ، وشفي بن ماتع ، وشهر بن حوشب ، وطلق بن حبيب ، وعبد الله بن باباه ، وعبد الله بن بريدة ، وعبد الله بن رباح الأنصاري ، وعبد الله بن صفوان بن أمية ، وابن أبي مليكة ، وعبد الله بن فيروز الديلمي ، وأبو عبد الرحمن الحبلي ، وعبد الرحمن بن جبير ، وعبد الرحمن بن حجيرة ، وعبد الرحمن بن رافع قاضي إفريقية ، وعبد الرحمن بن شماسة ، وعبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، وعبدة بن أبي لبابة ولم يدركه ، وعطاء بن يسار ، وعطاء العامري ، وعقبة بن أوس ، وعقبة بن مسلم ، وعمارة بن عمرو بن حزم ، وعمر بن الحكم بن رافع ، وأبو عياض عمرو بن الأسود العنسي ، وعمرو بن أوس الثقفي ، وعمرو بن حريش الزبيدي ، وعمرو بن دينار .

                                                                                      وعمرو بن ميمون الأودي ، وعمران بن عبد المعافري ، وعيسى بن هلال الصدفي ، والقاسم بن ربيعة الغطفاني ، والقاسم بن مخيمرة ، وقزعة بن يحيى ، وكثير بن مرة ، ومحمد بن هدية الصدفي ، وأبو الخير اليزني ، ومسافع بن شيبة الحجبي ، ومسروق بن الأجدع ، وأبو يحيى مصدع ، وناعم مولى أم سلمة ، ونافع بن عاصم بن عروة بن مسعود الطائفي ، وأخوه يعقوب ، وأبو العريان الهيثم النخعي ، والوليد بن عبدة ، ووهب بن جابر الخيواني ، ووهب بن منبه ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية ، ويوسف بن ماهك ، وأبو أيوب المراغي ، وأبو بردة بن أبي موسى ، وأبو حازم الأعرج ولم يلقه ، وأبو حرب بن أبي الأسود وأبو راشد الحبراني وأبو الزبير المكي وأبو زرعة بن عمرو بن حريز ، وأبو سالم الجيشاني ، وأبو فراس مولى والده عمرو ، وأبو [ ص: 83 ] قبيل المعافري ، وأبو كبشة السلولي ، وأبو كثير الزبيدي ، وأبو المليح بن أسامة ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال قتادة : كان رجلا سمينا .

                                                                                      وروى حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن العريان بن الهيثم ، قال : وفدت مع أبي إلى يزيد ، فجاء رجل طوال ، أحمر عظيم البطن ، فجلس ، فقلت : من هذا ؟ قيل : عبد الله بن عمرو .

                                                                                      أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا نافع بن عمر ، وعبد الجبار بن ورد ، عن ابن أبي مليكة ، قال طلحة بن عبيد الله : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : نعم أهل البيت عبد الله ، وأبو عبد الله ، وأم عبد الله .

                                                                                      وروى ابن لهيعة ; عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر ، مرفوعا نحوه .

                                                                                      ابن جريج : حدثنا ابن أبي مليكة ، عن يحيى بن حكيم بن صفوان ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : جمعت القرآن ، فقرأته كله في ليلة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأه في شهر . قلت : يا رسول الله ، دعني أستمتع من قوتي وشبابي . قال : اقرأه في عشرين . قلت : دعني أستمتع . قال : اقرأه في سبع ليال . قلت : دعني يا رسول الله أستمتع . قال : فأبى . [ ص: 84 ]

                                                                                      رواه النسائي .

                                                                                      وصح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازله إلى ثلاث ليال ، ونهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث وهذا كان في الذي نزل من القرآن ، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن . فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث ، فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك . ولو تلا ورتل في أسبوع ، ولازم ذلك ، لكان عملا فاضلا ، فالدين يسر ، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة ، والضحى ، وتحية المسجد ، مع الأذكار المأثورة الثابتة ، والقول عند النوم واليقظة ، ودبر المكتوبة والسحر ، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به مخلصا لله ، مع الأمر بالمعروف ، وإرشاد الجاهل وتفهيمه ، وزجر الفاسق ، ونحو ذلك ، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان ، مع أداء الواجب ، واجتناب الكبائر ، وكثرة الدعاء والاستغفار ، والصدقة وصلة الرحم ، والتواضع ، والإخلاص في جميع ذلك ، لشغل عظيم جسيم ، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين ، فإن سائر ذلك مطلوب . فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم ، فقد خالف الحنيفية السمحة ، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه ولا تدبر ما يتلوه .

                                                                                      هذا السيد العابد الصاحب كان يقول لما شاخ : ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك قال له - عليه السلام - في الصوم ، وما زال يناقصه [ ص: 85 ] حتى قال له : صم يوما وأفطر يوما ، صوم أخي داود عليه السلام .

                                                                                      وثبت أنه قال : أفضل الصيام صيام داود ونهى - عليه السلام - عن صيام الدهر وأمر - عليه السلام - بنوم قسط من الليل ، وقال : لكني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، وآكل اللحم ، فمن رغب عن سنتي فليس مني .

                                                                                      وكل من لم يذم نفسه في تعبده وأوراده بالسنة النبوية ، يندم ويترهب ويسوء مزاجه ، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرءوف الرحيم بالمؤمنين ، الحريص على نفعهم ، وما زال - صلى الله عليه وسلم - معلما للأمة أفضل الأعمال ، وآمرا بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها ، فنهى عن سرد الصوم ، ونهى عن الوصال ، وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير ، ونهى عن العزبة للمستطيع ، ونهى عن ترك اللحم إلى غير ذلك من الأوامر [ ص: 86 ] والنواهي . فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور ، والعابد العالم بالآثار المحمدية . المتجاوز لها مفضول مغرور ، وأحب الأعمال إلى الله - تعالى - أدومها وإن قل . ألهمنا الله وإياكم حسن المتابعة ، وجنبنا الهوى والمخالفة .

                                                                                      قال أحمد في مسنده : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن واهب بن عبد الله المعافري ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : رأيت فيما يرى النائم كأن في أحد أصبعي سمنا ، وفي الأخرى عسلا ، فأنا ألعقهما ، فلما أصبحت ، ذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : تقرأ الكتابين ; التوراة والفرقان . فكان يقرأهما .

                                                                                      ابن لهيعة ضعيف الحديث ، وهذا خبر منكر ، ولا يشرع لأحد بعد نزول القرآن أن يقرأ التوراة ولا أن يحفظها ، لكونها مبدلة محرفة منسوخة العمل ، قد اختلط فيها الحق بالباطل ، فلتجتنب . فأما النظر فيها للاعتبار وللرد على اليهود ، فلا بأس بذلك للرجل العالم قليلا ، والإعراض أولى .

                                                                                      فأما ما روي من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لعبد الله أن يقوم بالقرآن ليلة وبالتوراة ليلة ، فكذب موضوع قبح الله من افتراه . وقيل : بل عبد الله هنا هو ابن [ ص: 87 ] سلام . وقيل : إذنه في القيام بها أي يكرر على الماضي لا أن يقرأ بها في تهجده .

                                                                                      كامل بن طلحة : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو ، عن شفي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف مثل .

                                                                                      يحيى بن أيوب ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : كنا عند رسول الله نكتب ما يقول .

                                                                                      هذا حديث حسن غريب رواه سعيد بن عفير عنه .

                                                                                      وهو دال على أن الصحابة كتبوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أقواله ، وهذا علي - رضي الله عنه - كتب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث في صحيفة صغيرة ، قرنها بسيفه وقال - عليه السلام - : اكتبوا لأبي شاة وكتبوا عنه كتاب [ ص: 88 ] الديات ، وفرائض الصدقة وغير ذلك .

                                                                                      ابن إسحاق : عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قلت : يا رسول الله ! أكتب ما أسمع منك ؟ قال : نعم . قلت : في الرضا والغضب ؟ قال : نعم ، فإني لا أقول إلا حقا .

                                                                                      يحيى بن سعيد القطان ، وهو في المسند عنه ، عن عبيد الله بن [ ص: 89 ] الأخنس ، عن الوليد بن عبد الله ، عن يوسف بن ماهك ; عن عبد الله بن عمرو نحوه .

                                                                                      وقد روي عن عقيل بن خالد وغيره عن عمرو بن شعيب نحوه . وثبت عن عمرو بن دينار ، عن وهب بن منبه ، عن أخيه همام ، سمع أبا هريرة يقول : لم يكن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب .

                                                                                      وهو في صحيفة معمر عن همام .

                                                                                      ويرويه ابن إسحاق ; عن عمرو بن شعيب ، عن مجاهد وآخر ، عن أبي هريرة ، مثله .

                                                                                      أبو النضر هاشم بن القاسم ، وسعدويه ، قالا : حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة ، عن مجاهد ، قال : دخلت على عبد الله بن عمرو ، فتناولت صحيفة تحت رأسه ، فتمنع علي . فقلت : تمنعني شيئا من كتبك ؟ فقال : إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه أحد ، فإذا سلم لي كتاب الله وهذه الصحيفة والوهط ، لم أبال ما ضيعت الدنيا .

                                                                                      الوهط : بستان عظيم بالطائف ، غرم مرة على عروشه ألف ألف درهم . [ ص: 90 ]

                                                                                      قتيبة : حدثنا الليث ، وآخر ، عن عياش بن عباس ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، سمعت عبد الله بن عمرو يقول : لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء ، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة ، إلا من قال هكذا وهكذا ، يقول : يتصدق يمينا وشمالا .

                                                                                      هشيم : عن مغيرة وحصين ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : زوجني أبي امرأة من قريش ، فلما دخلت علي ، جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة ، فجاء أبي إلى كنته ، فقال : كيف وجدت بعلك ؟ قالت : خير رجل من رجل لم يفتش لها كنفا ، ولم يقرب لها فراشا ، قال : فأقبل علي ، وعضني بلسانه ، ثم قال : أنكحتك امرأة ذات حسب ، فعضلتها وفعلت ، ثم انطلق ، فشكاني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلبني ، فأتيته ، فقال لي : أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت : نعم . قال : لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وأمس النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني .

                                                                                      قلت : ورث عبد الله من أبيه قناطير مقنطرة من الذهب المصري ، فكان من ملوك الصحابة .

                                                                                      [ ص: 91 ] الأسود بن عامر : حدثنا شعبة ; عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه ، قال : كنت أصنع الكحل لعبد الله بن عمرو ، وكان يطفئ السراج بالليل ، ثم يبكي حتى رسعت عيناه .

                                                                                      محمد بن عمرو : عن أبي سلمة : عن عبد الله بن عمرو ، قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي هذا ، فقال : يا عبد الله ! ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار ؟ قلت : إني لأفعل . فقال : إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، فالحسنة بعشر أمثالها ، فكأنك قد صمت الدهر كله . قلت : يا رسول الله ، إني أجد قوة ، وإني أحب أن تزيدني . فقال : فخمسة أيام قلت : إني أجد قوة . قال : سبعة أيام ، فجعل يستزيده ، ويزيده حتى بلغ النصف . وأن يصوم نصف الدهر : ( إن لأهلك عليك حقا ، وإن لعبدك عليك حقا ) وإن لضيفك عليك حقا فكان بعد ما كبر وأسن يقول : ألا كنت قبلت رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أهلي ومالي .

                                                                                      وهذا الحديث له طرق مشهورة .

                                                                                      وقد أسلم عبد الله ، وهاجر بعد سنة سبع ، وشهد بعض المغازي .

                                                                                      قال أبو عبيد : كان على ميمنة جيش معاوية يوم صفين .

                                                                                      وذكره خليفة بن خياط في تسمية عمال معاوية على الكوفة . قال : ثم [ ص: 92 ] عزله وولى المغيرة بن شعبة .

                                                                                      وفي " مسند أحمد " : حدثنا يزيد ، أنبأنا العوام ، حدثني أسود بن مسعود ، عن حنظلة بن خويلد العنبري ، قال : بينما أنا عند معاوية ، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار - رضي الله عنه - فقال كل واحد منهما : أنا قتلته . فقال عبد الله بن عمرو : ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية . فقال معاوية : يا عمرو ! ألا تغني عنا مجنونك ، فما بالك معنا ؟ قال : إن أبي شكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أطع أباك ما دام حيا . فأنا معكم ، ولست أقاتل .

                                                                                      وروى نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قال عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - : ما لي ولصفين ، ما لي ولقتال المسلمين ، لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة - أو قال بعشر سنين - أما والله على ذلك ما ضربت بسيف ، ولا رميت بسهم . وذكر أنه كانت الراية بيده .

                                                                                      يزيد بن هارون : حدثنا عبد الملك بن قدامة ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن أباه عمرا قال له يوم صفين : اخرج فقاتل . قال : يا أبه ! كيف تأمرني أخرج فأقاتل ، وقد سمعت من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلي ما سمعت ؟! فقال : نشدتك بالله ! أتعلم أن آخر ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك أن أخذ بيدك ، فوضعها في يدي ، فقال : أطع عمرو بن العاص ما دام حيا . قال : نعم . قال : فإني آمرك أن تقاتل .

                                                                                      [ ص: 93 ] عبد الملك ضعف .

                                                                                      عفان : حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن ابن بريدة ، عن سليمان بن الربيع قال : انطلقت في رهط من نساك أهل البصرة إلى مكة ، فقلنا : لو نظرنا رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدللنا على عبد الله بن عمرو ، فأتينا منزله ، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة . فقلنا : على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو ؟ قالوا : نعم . هو ومواليه وأحباؤه . قال : فانطلقنا إلى البيت ، فإذا نحن برجل أبيض الرأس واللحية ، بين بردين قطريين ، عليه عمامة وليس عليه قميص .

                                                                                      رواه حسين المعلم ، عن ابن بريدة ، فقال : عن سلمان بن ربيعة الغنوي أنه حج زمن معاوية في عصابة من القراء ، فحدثنا أن عبد الله في أسفل مكة . فعمدنا إليه ، فإذا نحن بثقل عظيم يرتحلون ثلاثمائة راحلة ، منها مائة راحلة ومائتا زاملة وكنا نحدث أنه أشد الناس تواضعا . فقلنا : ما هذا ؟ قالوا : لإخوانه يحملهم عليها ولمن ينزل عليه ، فعجبنا ، فقالوا : إنه رجل غني . ودلونا عليه أنه في المسجد الحرام ، فأتيناه ، فإذا هو رجل قصير أرمص بين بردين وعمامة ، قد علق نعليه في شماله .

                                                                                      [ ص: 94 ] مسلم الزنجي : عن ابن خثيم ، عن عبيد بن سعيد : أنه دخل مع عبد الله بن عمرو المسجد الحرام ، والكعبة محترقة حين أدبر جيش حصين بن نمير ، والكعبة تتناثر حجارتها . فوقف وبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنتيه . فقال : أيها الناس ! والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلو ابن نبيكم ، ومحرقو بيت ربكم ، لقلتم : ما أحد أكذب من أبي هريرة . فقد فعلتم ، فانتظروا نقمة الله فليلبسنكم شيعا ، ويذيق بعضكم بأس بعض .

                                                                                      شعبة : عن يعلى بن عطاء ، عن أمه ; أنها كانت تصنع الكحل لعبد الله بن عمرو . وكان يكثر من البكاء يغلق عليه بابه ، ويبكي حتى رمصت عيناه .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : مات عبد الله ليالي الحرة سنة ثلاث وستين .

                                                                                      وقال يحيى بن بكير : توفي عبد الله بن عمرو بمصر ، ودفن بداره الصغيرة سنة خمس وستين وكذا قال في تاريخ موته : خليفة ، وأبو عبيد ، والواقدي ، والفلاس وغيرهم .

                                                                                      وقال خليفة : مات بالطائف ، ويقال : بمكة .

                                                                                      وقال ابن البرقي أبو بكر : فأما ولده فيقولون : مات بالشام .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية