الأدب والرفق في نصح الوالدين ولو أوقعا الأذى بالولد

26-7-2008 | إسلام ويب

السؤال:
أنا شاب في ال18 من العمر أمي تعتدي علي أحياناً بالضرب والشتائم وكل يوم يستمر معي هذا الشيء وعندما تعتدي علي بالضرب أمسك مثلاً يدها أي أمنعها وهي أحياناً بغير قصد تكفر بالله ببعض الكلمات فآتي وأقول لها إنك كفرت، أنا وإخوتي فتشتمني مع العلم أن أمي ملتزمة بالصلوات الخمس، وأنا أريد أن أكون شخصية مستقلة لي لا أريد أن يتحكم بي أحد، أريد الحرية مقابل الاحترام المتبادل بيننا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد عظم الإسلام حق الوالدين، وقرنه بأعظم الحقوق: حق الله تعالى، ولم يرض لهما دون مقام الإحسان ؛ قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}.

 وقال: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الأنعام:151}.

وأمر بالتواضع والذل لهما، ونهى عن أدنى درجات الإيذاء ولو بقول أف، فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.{الإسراء: 23-24}.

وأمر بشكرهما وصحبتهما بالمعروف حتى ولو كفرا بالله تعالى، قال عز وجل: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان: 14-15}.

 وقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {العنكبوت: 8}.

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم برهما من أفضل الأعمال، حتى قدمه على الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله. رواه البخاري ومسلم.

وأَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ. قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ: نَعَمْ بَلْ كِلَاهُمَا. قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

وقرن بين الكبيرة المخلدة لصاحبها في النار ـ الشرك بالله ـ وبين عقوق الوالدين، فقال صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. رواه البخاري ومسلم.

وقدم حق الأم على حق الأب وأضعفه عليه ثلاث مرات، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنْ أَحَقّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ فقَالَ: أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ. رواه البخاري مسلم.

وخص صلى الله عليه وسلم حق الأمهات وحرج في انتهاكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ. رواه البخاري ومسلم.

 قال ابن الجوزي في كشف المشكل: فإنما خص الأمهات بالذكر لعظم حقهن، وحقهن مقدم على حق الأب، كما قدمهن في البر، وإنما يخص الشيء بالذكر من بين جنسه لمعنى فيه يزيد على غيره.

ولأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء، ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك.

وقال المناوي في فيض القدير: خصهن ـ وإن كان عقوق الآباء عظيما ـ لأن عقوقهن أقبح أو أكثر وقوعا، والعقوق ما يتأذى به من قول أو فعل غير محرّم.

وليس من شك في أنه لا يليق بالأم أن تسيء معاملة أبنائها ولا يجوز أن تضربهم إذا تجاوزوا سن الضرب ولم يكن لها حق في ضربهم ولا أن تشتمهم، ولكن سوء معاملة الوالدين لا يسوغ عقوقهما، ولا يضيع به حقوقهما، كيف وقد أمر الله بصحبتهما بالمعروف وإن كفرا واجتهدا في إيقاع الأبناء في الشرك بالله تعالى، كما قال عز وجل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.

وعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ.. الحديث. رواه أحمد وحسنه الألباني في إرواء الغليل.

وأما قول السائل: أنا أريد أن أكون شخصية مستقلة لي، لا أريد أن يتحكم بي أحد، أريد الحرية مقابل الاحترام المتبادل بيننا. فلا يصلح في معاملة الوالدين اللذين أمر الله بالقول الكريم وخفض جناح الذل لهما.

وكون الأم ـ على حد قول السائل ـ تكفر بالله ببعض الكلمات. فهذا مما يوجب مزيد الحرص والشفقة عليها، حتى تنجو من سخط الله تعالى، وذلك بحسن الصحبة وبذل النصيحة لها بالتي هي أحسن.

 قال الإمام أَحْمَدُ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ.

 ولنا في خليل الرحمن ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ أسوة حسنة، حيث قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا {مريم: 41-47} فانظر ـ حفظك الله ـ إلى الأدب في نصح الوالدين واقتد به.

وننصحك بأن تبتعد عن كل قول أو فعل يمكن أن يترتب عليه غضب أمك، وإذا أرادت ضربك أو شتمك فابتعد عنها حتى يذهب غضبها وتعود إلى رشدها، وعليك أن تحذر من إطلاق التكفير على شخص معين فإن تكفير المعين يحتاج إلى إقامة الحجة بمثله بحيث تتحقق شروط التكفير وتنتفي موانعه، فعليك نصح أمك وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر بلين ورفق كما أسلفنا.

وقد سبقت بعض الفتاوى المتعلقة بهذا الموضوع فانظر منها ما يلي: 30004، 21916، 22112، 17754، 8173، 4296، 11649، 23716، 34860، 49153.

والله أعلم.

www.islamweb.net