حكم رفض الخاطب الذي يستمع للأغاني

14-10-2008 | إسلام ويب

السؤال:
أنا فتاة غير متزوجة أبلغ من العمر 17 عاما تقدم لخطبتي شباب كثر ولكني أرفضهم لأنني ملتزمة والحمد لله ولا أستمع إلى الأغاني، والذين يتقدمون إلي يصلون ويصومون ولكنهم يستمعون للأغاني وأنا أريد شابا لا يستمع إلى الأغاني ولا يذهب إلى الأعراس التي فيها غناء وقبل فترة تقدم إلي شاب يصلي ويصوم ولكنه يستمع إلى الأغاني وهو وافق على أن لا أذهب أنا إلى الأعراس المحرمة بعد الزواج ولكن هو سيذهب فرفضته حتى لا أتراجع في ديني فهل قراري بالرفض كان صائبا، كما أن الأعراس في بلادنا يسمونها إسلامية ولكن الصحيح هي ليست كذلك إذ أن كلمات الأغنية شبه إسلامية وتحتوي على الموسيقى كالأغاني المحرمة وعندنا لم يتزوج أحد على الطريقة الإسلامية الصحيحة أي على الدف فقط فإذا تقدم إلي شاب يصلي ويصوم ولم يوافق على عرس بالدف فقط ولكنه وافق على العرس الإسلامي كما يزعمون ووافق على أن لا اذهب إلى الأعراس المحرمة ولكن هو سيذهب فهل أقبل به زوجا وابدأ معه بالتدريج في سماع الأغاني الإسلامية كما يزعمون وثم الدف فقط وذلك لأن أهلي يقولون لي إذا بقيت على هذا الرأي فلن تتزوجي أبدا ،أم أرفضه تماما وأنتظر حتى يرزقني الله من لا يستمع إلى تلك الأغاني ويقبل بعرس بالدف فقط ولكن بصراحة أنا أعيش في فلسطين والفتن انتشرت بكثرة حتى أنك تمشي بالشارع ونادرا ما ترى شابا ملتحياً .
وإذا رأيت شابا ملتزما وأخبروني عنه بكل خير وأنه لا يذهب إلى الأعراس وأحسبه على ذلك فهل أستطيع أن أقول لأبي أو أمي زوجوني إياه.
كما أريد توضيح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: من أتاكم ترضون دينه وخلقه. وكيف أحكم على أنه مرضي الدين والخلق وما هي المعاصي التي إذا وجدتها فيه أرفضهأ وما هي المعاصي التي إذا وجدتها فيه أقبل به لأن الكمال لله ولا يوجد أحد كامل، وهل سماع الأغاني يعتبر من الأمور التي لا ترضي الدين حتى لو كان ملتزما بالصلاة وأرفضه من أجل ذلك؟
ومن جهة أخرى أنا الآن لا أذهب إلى الأعراس التي فيها الأغاني المحرمة ولكنني أذهب إلى الأعراس الإسلامية كما يزعمون وذلك لأن أمي وأبي يستمعون للأغاني وبذلك أريد أن يكون امتناعي عن الذهاب إلى تلك الأعراس بالتدرج فأنا التزمت والحمد لله منذ 10 أشهر تقريباً ولكن من جهة أخرى أخاف أن أموت وأنا في ذلك العرس وأقابل الله بمعصية، فما هو الخيار الأنسب حيث إنه على ما أعتقد بصراحة لست متأكدة أظن أن القصة لعمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كان ينهى الناس عن المعاصي بالتدرج وهناك قصة له ولكنني نسيتها بصراحة فأرجو توضيحها لي .

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
 

فجزاك الله خيرا على استجابتك لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وزادك الله ثباتا على الحق والدين، وأما ما تسألين عنه بشأن موقفك من رفض الشباب الذين يستمعون للأغاني فلا شك أنه موقف صحيح فإن الغناء الذي يشتمل على آلة عزف ولهو (آلة موسيقى) يحرم استماعه من الرجل والمرأة بالإجماع. وقد حكى الإجماع على تحريم استماع آلات العزف ـ سوى الدف ـ جماعة من العلماء، منهم الإمام القرطبي، وأبو الطيب الطبري، وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي، وابن القيم، وابن حجر الهيتمي.

قال الإمام القرطبي: أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك. وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسق ومهيج الشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه. انتهى.

وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي لك الإقدام على الزواج من شاب يستمع لهذه الأغاني المفسدة للقلب المضيعة لما فيه من إيمان ويقين.

وعليك أن تختاري الرجل الصالح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في الإرواء، وراجعي في شرطه الفتوى رقم: 6253.

وأما سؤالك عن ضابط المعاصي التي ينبغي معها رفض الرجل كزوج فنقول الرجل الذي يفعل الكبيرة أو الذي يفعل الصغيرة مع إصراره ومداومته عليها لا ينبغي الإقدام على الزواج منه، أما الذي تاب إلى الله تعالى من الكبائر أو الذي تكون منه الصغائر لا على سبيل الدوام بل على سبيل الفلتة والهفوة فلا مانع من الزواج منه, لأن هذا قلما يسلم منه أحد.

وأما سؤالك عن حكم زواجك من شاب يسمع الأغاني ثم تحاولين أنت بعد ذلك إبعاده عنها فنقول :هذا الطريق غير مأمون إذ أن القوامة بيد الرجل, ولا شك أن الرجل أقوى من المرأة وتأثر المرأة بزوجها أكبر من تأثره بها فلا تأمنين أن يجرك هو إلى هذا الإثم – عافاك الله من ذلك – فلا ينبغي للمؤمن أن يورد نفسه موارد التهلكة بحجة أنه قد ينجو.

أما سؤالك عن أنك تريدين الامتناع عن الذهاب إلى الأفراح التي بها الموسيقى ولكن بالتدرج , فنقول لك هذا لا يجوز بل عليك الامتناع فورا عن الذهاب إلى تلك الأفراح, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم –: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. رواه مسلم وغيره، فقيد صلى الله عليه وسلم جانب الأمر بالاستطاعة, وأطلق في جانب النهي, فيجب ترك المنهي عنه جملة واحدة بلا قيد, قال النووي في شرحه لهذا الحديث: وأما قوله صلى الله عليه وسلم : وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه فهو على إطلاقه. انتهى.

ولذا فقد اختلف الأصوليون في الأمر هل يدل على الفور أو التراخي , لكنهم لم يختلفوا في أن النهي على الفور فينبغي المبادرة إلى ترك المنهي عنه فوراً، جاء في إرشاد الفحول: الفور في النهي ضروري لأن المطلوب الترك مستمرا. انتهى.

وأما القصة التي تذكرينها عن عمر بن عبد العزيز فقد ذكرها الشاطبي في الموافقات فقال: وفيما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له مالك لا تنفذ الأمور فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق، قال له عمر لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعوه جملة ويكون من ذا فتنة. انتهى.

ولكن هذا ليس مما نحن فيه لأن هذا من باب السياسة الشرعية التي يتبعها السلاطين لتسيير أمور الناس, وسياسة شؤونهم على اختلاف طبائعهم وأهوائهم ومصالحهم وعاداتهم ومألوفاتهم, فالسلطان في ذلك له من العذر ما ليس للإنسان الفرد مع نفسه, وإلا فما عذر الإنسان المقيم على المعاصي وهو عاجز عن إقامة نفسه على أمر الله هل له عذر إلا الضعف والخور.

وفي النهاية نوصيك بالثبات على أمر الله سبحانه والثقة في وعده ورزقه وفرجه لعبده المؤمن, قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2، 3}. وثقي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه , نسأل الله أن يرزقك زوجا صالحا يعينك على طاعة الله .

وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 987 , 2351, 131.

والله أعلم.

www.islamweb.net