التراجع عن الطلاق المعلق

17-4-2018 | إسلام ويب

السؤال:
منذ عامين اختلفت أنا وزوجي، وغضب كثيرًا، فقال لي: إذا تكلمت مع أخيك؛ فأنت طالق، وإذا أرسلت مالًا لأمك؛ فأنت طالق. وبعد أن هدأ أعتذر، وقال: إنه لا يقصد الطلاق، ولا يقصد منعي، ولكن لغضبه الكبير قال هذا.
اجتهدت من نفسي، وقرأت مختلف الآراء في الموضوع، وقلت له: إن هنالك رأيًا يعلق الطلاق على نيتك، فكفّر عن يمينك، فليس ذنبي أنك قلت هذا دون قصد، وتكلمت مع أخي على هذا الأساس، وعلم زوجي بذلك، وأرسلت مالا لأمي، ولم يعلم بذلك.
منذ شهر تجادلنا لسبب سخيف، وطال الجدال حتى غصب زوجي كثيرًا؛ لدرجة أنه صفعني بقوة، وحطم هاتفه النقال، وهاتفي أيضًا بيديه، ثم قال لي: حلفت مرة، والآن أقول لك: أنت طالق. قالها بلفظ صريح، ثم تابع قائلًا: وإذا ذهبت إلى هذا المكان؛ فأنت طالق، وإذا فعلت هذا الشيء؛ فأنت طالق. فحلف على أمرين لا دخل لهما أساسًا بجدالنا، ولا مانع لديه في الأصل من أن أفعلهما، وبعدها ندم كثيرًا لأنه قال هذا، واعتذر وبكى؛ لأنه أحس بخطورة الموقف، وبتأثيره على حياتنا.
نحن الاثنان لا نريد الانفصال، ولدينا 3 أطفال، أكبرهم عمره 6 أعوام، ونريد أن نصلح ما حدث، فكيف تحتسب هذه الطلقات؟ هل يستطيع التراجع عن أيمانه التي لم أخالفها بعد؟ وهل يستطيع أن يكفّر عن الأيمان التي خالفتها؟
قلت له: إن الله حلل الطلاق لافتراق من استحالت حياتهما، وليس ليظلم الرجل زوجته، فكلما غضب منها منعها عن أمر ما؛ لينتقم منها، فهذا ظلم، والله لا يرضى بالظلم.
أرجو الرد على أسئلتي؛ لأننا في حيرة من أمرنا، وضيق شديد -جزاكم الله خيرًا، ووفقكم إلى ما يحب ويرضى-.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد شرع الإسلام الزواج لمقاصد عظيمة، ومن أهمها: تحقيق الاستقرار النفسي للزوجين، لا ليكون موجبًا للنكد والشقاء، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.

  فينبغي أن لا يغيب هذا عن الزوجين، وإلا استغل الشيطان الغفلة، وسعى في الفتنة، وحاول التفريق بين الأحبة، وهو العدو الذي حذر رب العالمين من شره، فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا {فاطر:6}، ومن أعظم أسلحته وأمضاها: الغضب، فبه يحقق مقاصده، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم باجتنابه، وبين كيفية علاجه، وقد أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 8038.

 وإذا حدثت مشكلة بين الزوجين، فليس الطلاق بأول الحلول، بل هو آخرها، ولا ينبغي اللجوء إليه إلا إذا ترجحت مصلحته، فالأولى اتباع غيره من سبل الإصلاح عند نشوز الزوجة، أو عند نشوز الزوج، فلكل منهما علاجه، وهو مبين في الفتويين: 1103، 48969

ومن رزق الأولاد، أدعى لأن يكون مجتنبًا لأمر الطلاق، لا متساهلًا في النطق به.

 وبخصوص الطلاق الصريح الذي صدر عن زوجك، وهو قوله: أنت طالق، فقد وقع به الطلاق، وانظري الفتوى رقم: 117840.

 وأما الطلاق المعلق، فيقع فيه الطلاق عند حصول المعلق عليه، ولو لم يقصد الزوج الطلاق، ويرى ابن تيمية أنه في هذه الحالة لا يقع، وتلزم الزوج كفارة يمين، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5684.

ولا يمكن التراجع عن الطلاق المعلق في قول الجمهور، وذهب ابن تيمية إلى جواز الرجوع عنه، وانظري الفتوى رقم: 192475.

وقول الجمهور هو الذي نفتي به، فيكون الطلاق قد وقع في الحالات التي حنثت فيها زوجك، بفعل ما منعك منه. وعلى اختيار ابن تيمية يكفيه أن يكفّر كفارة يمين، في حال عدم قصده الطلاق.

وبالنسبة للحال التي لم تحنثي فيها زوجك، لا يمكن لزوجك التراجع فيها عن الطلاق المعلق، إلا على اختيار ابن تيمية.

وكما رأيت، ففي المسائل المذكورة خلاف، وقد بينا ما نرجحه.

فالذي ننصح به مراجعة المحكمة الشرعية، أو ما يقوم مقامها في البلاد غير الإسلامية، كالمراكز الإسلامية، ونحوها.

 وكما أسلفنا، فالطلاق ينبغي أن يكون آخر الحلول، وأنه لا ينبغي المصير إليه إلا إذا ترجحت مصلحته، واستحالت العشرة.

والطلاق يكره لغير حاجة، ومن العلماء من ذهب إلى أن الأصل تحريمه؛ لما يترتب عليه من مفاسد في الغالب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة. اهـ.

ولا يكون الزوج ظالمًا للمرأة بمجرد الطلاق، إلا إذا منعها حقًّا لها، فهو ظالم، سواء استخدم في ذلك الطلاق أم لا.

والله أعلم.

www.islamweb.net