اقترف معصية قبيحة وتاب وأصيب بالاكتئاب ويفكر في الانتحار

14-11-2019 | إسلام ويب

السؤال:
عمري 18 سنة، ولي صديق لديه حالة اكتئاب شديدة منذ فترة. وقال لي إنه يريد أن يخبرني بما فعل. لم أسمح له في البداية أن يخبرني؛ لأن الله ستر عليه، ولا يجب أن يفضح نفسه. لكنه عندما أخبرني؛ صدمت، ولم أعد أرغب في أن أصادقه، على الرغم من أنه رجل ملتزم ورجل صالح، ولكن ما أخبرني به صادم: أخبرني أنه عندما كان في ال 14 أو ال 15 مس محارمه بشهوة، حتى إنه مرة مس أمه!
لا أعلم ماذا أفعل؟ الموضوع مرت عليه سنوات، وتاب الرجل، بل وأصبح ملتزما. والآن يمر في حالة مخيفة من الاكتئاب، إلى درجة أنه قال لي إنه فكر في الانتحار أكثر من مرة.
هل يجب أن أتركه؛ لأن هذا الشخص يعتبر ملعونا وغير صالح، ويجب أن أتركه أم إذا كان قد تائب فيعتبر صالحا، وربي قد غفر له؟
أردت أن أسأل أو أخبر أحدا، ولكنه وثق بي، ولا أعرف ماذا أفعل الرجل مواظب على الطاعات، بل وناصح وداع للخير، ولأني صدمت، وأريد أن أنظر إليه كما كان. وهل يمكن أن يتوب إذا فضح نفسه؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله تعالى لصديقك عاجل الشفاء، وأن يذهب عنه ما يجد، ويجمع له بين الأجر والعافية، وبين تكفير السيئات ورفعة الدرجات.

 ومس المحارم بشهوة فعل قبيح، ومنكر جسيم، ودلالة على انتكاس في الفطرة. وتراجع الفتوى: 214657.

وقد أحسن صديقك بتوبته من ذلك، وينبغي أن يستشعر عظمة رحمة الله تعالى ومغفرته، وأن الذنب مهما عظم فمغفرة الله أعظم، فهو سبحانه يغفر الكفر والشرك والنفاق، فضلا عما هو دونها، وهو القائل سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

وروى الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان فيك، ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك، ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة.

 ويجب عليه الحذر من الشيطان ومكره، بإيقاعه في اليأس من روح الله، والقنوط من رحمته؛ ليخسر دنياه وأخراه، قال تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال أيضا: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.

فالمطلوب حسن الظن بالله، وأن يؤمل المسلم في ربه خيرا، فهو عند ظن عبده به، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ؛ ذكرته في ملإ خير منهم. وإن تقرب إلي بشبر؛ تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا؛ تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي؛ أتيته هرولة.

 فإذا كان رب العزة والجلال بهذا الفضل العظيم والعطاء الجزيل، فكيف لا يحسن المسلم ظنه به، ولا يؤمل فيه خيرا.

فليطرد صاحبك عنه الوساوس، وليستأنف حياته كأن شيئا لم يكن، ويحمد ربه أن عصمه من إتيان الفاحشة.

وأما الانتحار: فلا ينبغي أن يفكر فيه، فضلا عن أن يقدم عليه بالفعل، فعاقبته الشقاء والخسران المبين، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن شرب سما فقتل نفسه؛ فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردى من جبل فقتل نفسه؛ فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.

 ونوصيك بالاعتبار بحاله الآن من التوبة والهداية والصلاح، ونسيان ما أخبرك به، وما اقترف من إثم، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

وينبغي عليك الوقوف بجانبه وعدم الابتعاد عنه، فهو صديقك وقد باح لك بما في نفسه، ولعله أخبرك به لشعوره بأنه في أشد الحاجة إليك، وإنما يُعرَف الصديق عند الضيق.

روى ابن أبي الدنيا في كتاب: "الإخوان" عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم؛ فإنهم زين في الرخاء، وعدة في البلاء.

وقد أحسن من قال:

جزى الله الشدائد كل خير * وإن كانت تغصصني بريقي

وما شكري لها إلا لأني * عرفت بها عدوي من صديقي

فالمقصود أن لا تتركه وهو في هذه الحال، بل كن بجانبه مواسيا ومسليا ومذكرا، واحتسب الأجر عند الله تعالى.

وننبه إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يحدث الناس بما كان منه من معصية، بل يتوب منها ويستر على نفسه.

ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

والله أعلم.

www.islamweb.net