السؤال
السلام عليكم
مشكلتي أنني منذ الولادة أعاني من: Spina bifida، وهذه الحالة من المعروف أنها تؤثر على المشي وعلى القدرة بالتحكم بالبول والبراز، هذا الأمر جعلني وحيداً من غير صداقة ولا علاقات اجتماعية لمدة مديدةٍ جداً، وكنت أحس أنني أصلاً غير قادر على إقامتها، وعانيت لفترة قريبة جداً من الرهاب الاجتماعي، ومررت بأطوار كثيرة لا أطيل في ذكرها.
المهم أنني تطورت كثيراً في كل النواحي، وتميّزت في كثيرٍ منها وفهمت نفسي وعرفت محاسنها وعيوبها، وأنعم الله عليّ بتيسير كثير من الأمور الصعبة صحياً ونفسياً وعقلياً، وتخفيف ذات هذه الصعوبات أو آثارها.
وقد صارعت نفسي طويلاً، وأظنني غلبتها في كثير من الأمور، وأظن أنني أيضاً وصلت لمراحل من التطور والتفكير عالية نسبيّاً، ولله وحده الحمد والمنة على ما أنعم وتفضّل بأمره وتوفيقه لا شريك له في ذلك، الآن أنا طالب جامعي في السنة الثانية.
بقيت الناحية التي أراني متأخراً فيها هي الناحية الاجتماعية، فأمشي غالباً وحيداً ولا أكلم أحداً إلا سلاماً أو مرور الكرام أو نادراً داخل المحاضرات، وكان هذا منذ البداية؛ لأنني كنت أرى نفسي غير مؤهل لإقامة أي علاقة اجتماعية أو للشعور بالنقص أو ما شابه.
لكن مع قناعتي بوفرة حظ من تعمق في التفكير وترقى بعقله وصفّى وزكّى نفسه، وأطلق العنان لخياله، وكسب الفضائل والنبائل وتحلى بها، وجمع الخير من منابعه، واستمر بالسمو بالنفس عن السفاسف والنقائص والتطور وتحقيق الأهداف النبيلة الصغيرة منها والكبيرة، وهذه الأشياء المحببة إليّ في كثير من الأحيان لا تَخلُصُ لأحدٍ إلا في حال اختلائه بنفسه وروعة وحدته.
مؤخراً رأيتُ حقيقتين بعدما أحسست بهما:
إحداهما: أن الإنسان يحتاج دوماً إلى من يشاركه طريقه وإلا سيشعر بقلبه بفراغ لا يملؤه علم ولا مال ولا راحة جسدية ولا عقل كبير ولا أي شيء، يحس عندما يكون وحيداً وحدةً كاملة أنه لا يحتاج إلا إلى شخص واحد يبوح له بمكنونات نفسه وما يعرض له من كآبة وحزن وأحوال صعبة.
وأخراهما: أن الناس ينظرون إلى من يكون وحده على الدوام بلا انقطاع على أنه ساذج أو (أهبل) خصوصاً عندما يقترن ذلك بمنظر حزين أو كئيب في وجهه، وهدوء مفرط في طبعه، ولعله يفقد احترامه ورونقه ومحبة الناس له التي جاءت حتى من غير مخالطته لهم، ولله الفضل و الأمر من قبل ومن بعد.
وهذا لا يرضيني مع أنني أعلم أنه غير مؤثر في طريقي، لكني أحب الكمال والتكامل بين الذات الداخلية والخارجية، أما الآن فأجدني قادراً على إقامة علاقة مميزة ولا أرضى أصلاً أن تكون غير ذلك، لكن مشكلتي كيف أبدأ؟ ومن أين أبدأ؟ ومع من أبدأ؟
طلاب دفعتي هذه سنتهم الثانية، ولا أحد ينتظرني ليتخذني خليلاً أو أتخذه صديقاً، بعد عام كامل كل واحد اتخذ صديقاً أو أصدقاء كثر، أما أنا فقد تأخرت. لقد اعتاد من حولي رؤيتي وحيداً إلا نادراً جداً، ويقيناً صاروا يظنون أنني أفضل ذلك ولا أريد أصدقاء منهم.
كما ذكرت أودُّ أن أقيم علاقةً مميزة تعينني على إضفاء شيء من الروعة الزائدة في حياتي، وشيئاً من الرونق على شخصيتي، وتساعدني على إنجاز ما أطمح إليه في حياتي، فهل من نصيحة؟
وفقكم الله وسددكم وجزاكم عن أمة نبيه خير الجزاء على ما تقدمون للناس من خيرٍ وعون في أمور دينهم ودنياهم.
أسأل الله لنا ولكم الثبات على الخير والدوام عليه، وأن يرزقنا الإخلاص فيه.
مع أطيب الأماني.