الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي متبرجة وتكلم الرجال.. كيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي تبرج والدتي، فكلما نصحتها تُبرر بأعذار وتتهرب من الحقيقة، وكلما رأيتها متبرجة وتتكلم مع الرجال؛ أشعر كأني أطعن بالسكين في قلبي، ولا أستطيع رؤية أمي في تلك الحالة، وأريد الخروج من المنزل أو الذهاب للعيش مع جدتي.

لا يتكلم أبي معها لأنه لا يستطيع ذلك، وأخي الكبير لا ينصحها، فماذا أفعل؟ فقدت السيطرة، فهل يجب علي الرضا بالابتلاء وأرضى لأمي تلك الحالة؟ كلما رأيتها على ذلك الحال أكرهها ولا أستطيع التكلم معها، فما الحل؟ وهل يجب علي التحدُّث معها بشأن حديثها مع الرجال أم ماذا؟ وهل الرجال الذين تكلمهم يجب علي مقاطعتهم؟ فهم من أقاربنا ولكنهم ليسوا محارمًا لوالدتي، ومنهم من يُدرسني، والحمد لله على كل حال.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Marouane حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –ولدنا الحبيب– في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يهدي أُمّك ويردّها إلى الحق والخير ردًّا جميلاً.

وما تشعر به من ألم في قلبك بسبب ما تراه من تصرفات أُمِّك، وتبرُّجها وكلامها مع الرجال الأجانب، هذا التغيُّر الذي تجده في قلبك والألم، هو ما سمَّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- (غَيْرة)، فالغيرة عند العلماء مُشتقّة من تغيُّر القلب وهيجان الغضب؛ بسبب مشاركة الآخرين للشخص فيما به له اختصاص، وهذه الغيرة على المحارم يُحبُّها الله سبحانه وتعالى، بل هو جلَّ شأنه أغير من غيرتك، كما قال النبي في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما: (لَا أَحَد أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ ‌الْمَدْحُ ‌مِنَ ‌اللهِ).

الغيرة أمرٌ جميل، وخُلقٌ إيمانيٌ حسن، وهو دليل على حياة قلب صاحبه، فتُشكر على هذا ولا تُلام، ولكن ينبغي أن يكون تصرُّفك في حدود الشرع أيضًا، فلا تتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى، واعلم أن للأُمِّ حقًّا عظيمًا عليك، وقد أوصى الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين وإن بذلا وسعهما في مجاهدة الولد ليكفر بالله تعالى، وليس بعد الكفر ذنب، فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

وهذا لا يعني أن تسكت عن نصيحة أمك، بل ينبغي أن تبذل ما استطعت من الأسباب لإنقاذها من هذه الحالة التي هي فيها، فهذا نوع من الإحسان إليها والبر بها، ولكن تخيّر الأساليب الحسنة المؤثرة، وسيكتب الله تعالى لك أجورًا كثيرة بذلك، فلا تسمح لمشاعر الغضب أن تُفقدك التفكير الصائب فيما ينبغي أن تفعله.

استعمل كل وسيلة يمكن أن تؤثّر بها على أمّك: الكلمة الطيبة، الهدية إذا قدرت عليها، الاستعانة بمن لهم تأثير على أُمّك من أهل الصلاح من قراباتك من النساء، ربطها بعلاقات وصداقات مع نساء صالحات، تذكيرها بالجنة وبالنّار ولو بطريقٍ غير مباشر؛ فإن التذكير بالآخرة وأحوال الناس فيها يُجدد الإيمان في القلب ويُوقظ هذا القلب من الغفلة.

فكل هذه الوسائل ينبغي أن تستعملها بقدر استطاعتك لإصلاح حال أمك، وأعظم الأسباب الدعاء لها بالهداية، وأنت تقرأ في الكتاب العزيز الحوار بين إبراهيم عليه السلام وبين والده، فاجتهد في الأخذ بهذه الأسباب، وسيكتب الله تعالى أجرك، وإذا غضبت أُمُّك بسبب إنكارك عليها فالواجب عليك أن تسكت، فلا يجوز لك أن تغضب في وجهها وترد على غضبها.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُجري الخير على يديك، ولا يجوز لك أن تقطع أمّك وأن تقع في عقوقها، أو أن تفرّط في حقوقها عليك، وأمَّا الآخرون فيجوز لك أن تُقاطعهم إذا كان لمقاطعتهم مصلحة شرعية، كأن تكون هذه المقاطعة سببًا لرجوعهم عمَّا يفعلونه من محرّمات، إذا كانوا يفعلوا شيئًا من المحرمات، وإلَّا فالأصل أنه لا يجوز هجران المسلم فوق ثلاث.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات