الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالضياع الشديد وأريد استعادة حياتي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة عمري 20 سنة.

بدايةً، أنا تعرضت للتنمُّر منذ صغري، وهذا جعلني أكتئب، وفقدت ثقتي بنفسي، وكنت كثيرًا ما أنفرد بنفسي في الحمام بسبب وزني الزائد، وأيضاً بيتنا كان مليئًا بالمشاكل بسبب السحر، ودائمًا فيه شجارات وطاقة سلبية، وعندما كبرت تحسنت نفسيتي قليلًا، وقررت الاهتمام بدراستي -والحمد لله- كنت دائمًا الأولى، لكن بعدها أصبت بسحر غسل ميت، وعين شديدة؛ حيث كنت أبكي، وأخرج دائمًا من حصص الدراسة بدون سبب، وأبكي وأضحك عند الأذان، وتأتيني أحلام وكوابيس مخيفة، وأمي أيضًا كانت مسحورة بسحر مأكول منذ أن كانت حاملاً بي، وقد خضعنا للعلاج بالرقية الشرعية لفترة طويلة، وفعلًا -الحمد لله- تقيأت السحر، وشفيت لفترة.

والآن سافرت لبلد آخر وأحس بتغيُّرٍ، لكن أشعر بنفور من صلاتي ودراستي والقرآن، وأحس بحب الشر، ونفسيتي أصبحت لا تُؤنبني، مع أني -ولله الحمد- كنت أصلي وأقرأ القرآن، ولكن الآن تركت صلاتي لأيام، وإن صليت لا أدرك كيف أصلي، وكم ركعة صليت، وأتثاءب كثيرًا، وأشعر بكسل شديد، وحب العزلة!

والعياذ بالله، أصبحت أفعل الكثير من المعاصي؛ كالأفلام غير الأخلاقية، مع أني لا أستمتع بها، لكن ضميري ميت، وكنت أحب الدراسة، وصرت أتغير دائمًا، ولدي امتحانات، ولم أدرس شيئًا حتى في الامتحان، إن عرفت الجواب لا أجاوب، وأحس بالتخدير وبالتوتر الشديد، لدرجة عدم التركيز، وأنا حقًّا لا أعرف إن كان هذا من نفسي، أم أني تأثرت بالماضي، أم السبب أني أشعر بالضياع الشديد؟!

أريد العودة لديني ودراستي، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Milo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك - ابنتنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك عاجل العافية والشفاء، وأن يصرف عنك كل مكروه.

ونذكّرك - ابنتنا العزيزة - بأن الله -سبحانه وتعالى- قد يبتلي الإنسان في هذه الحياة بما يُقدّره عليه من المصائب لخيرٍ كثيرٍ يدّخره له، إمَّا في مستقبل حياته الدنيوية، وإمَّا في حياته الأخروية بعد الممات، فقد قال (ﷺ): «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، ‌حَتَّى ‌الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».

فكل ما يُقدّره الله تعالى على الإنسان من الآلام والمصائب؛ ينبغي أن يُقابله الإنسان بالرضا والطمأنينة واليقين بأن فيه الخير، وإن كرهته النفس، وبهذا تحلو النفس للحياة، وتزول عنها الشدائد، ويعيش الإنسان الحياة المطمئنة؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- أخبرنا بهذه الحقيقة في كتابه الكريم، فقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22-23].

فالإيمان بقضاء الله تعالى وقدره، والإيمان بأن الله تعالى حكيم رحيم، يُقدّر المقادير بحكمة، الإيمان بهذا كلِّه يجعل الإنسان يعيش حياة مطمئنة راضية.

ومع ذلك، فيجب على الإنسان أن يمتثل أمر الله -سبحانه وتعالى- ويأخذ بالأسباب التي توصله إلى الأقدار المحبوبة، ومن ذلك الأسباب لأداء الواجبات المفروضة عليه؛ فهذا النوع من الأسباب واجب، فيجب على الإنسان أن يأخذ بأسباب الهداية وأسباب الصلاح، ليؤدي ما فرض الله تعالى عليه، ولا يجوز له أن يسترسل مع أماني الشيطان له، ومحاولة خداعه له، وغروره بأنه غير قادر على أداء ما فرض الله تعالى عليه لسبب أو لآخر.

فإذا علم الله تعالى من الإنسان الصدق في الحرص على طاعته وأداء فرائضه، ثم حال بينه وبينها حائل يعجز عن مدافعته؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- رحيم، ولا يُكلّف نفسًا إلَّا وسعها، فيغفر له ما عجز عنه.

فما ذكرتِه في سؤالك من أنك تفعلين بعض المحرمات، وربما تتساهلين في أداء بعض الفرائض عليك؛ هذا لا يُبرّره هذا الحال الذي أنت فيه من المرض أو الشِّدة، فيجب عليك أن تُبادري إلى تغيير حالك، وتأخذي بالأسباب المُعينة على ذلك، ومن ذلك التداوي، فإن الله (ما أنزل من داءٍ إلَّا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله) كما قال عليه الصلاة والسلام.

فبادري إلى التداوي بِشِقَيْه ونَوْعَيْه: التداوي الحسّي بعرض نفسك على الأطباء المختصين، فلعلَّ الجسد بحاجة إلى بعض المواد والأدوية ليُعيد له اتزانه واعتداله، والدواء الروحي بالمداومة على الرقية الشرعية، وخير مَن يرقيك أن ترقي نفسك بنفسك، فاقرئي على نفسك القرآن، ولا سيما الفاتحة، وأواخر سورة البقرة، وآية الكرسي، والمعوذات، والآيات التي فيها إبطال السحر من القرآن الكريم، واقرئي ذلك على ماءٍ واشربي منه واغتسلي به؛ فهذه الرقية نافعة - بإذن الله تعالى - وداومي على دعاء الله تعالى أن يصرف عنك السوء والمكروه.

ومن الأسباب لأداء ما فرض الله تعالى عليك: أن تحاولي التعرُّف إلى الفتيات الصالحات والنساء الطيبات، فالصاحب خيرُ مُعين، وكما يقولون: (الصاحب ساحب)، والرسول (ﷺ) يقول: (المرء على دين خليله).

فبادري إلى اتخاذ الرُّفقة الصالحة، واستعيني بالله، ولا تعجزي، وسيُكلّل الله تعالى جُهودك بالتوفيق.

نسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً