الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس القهري المتعلق بذات الله تعالى وعلاجه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على جهودكم المبذولة في مساعدة المسلمين.
أنا مصاب بداء الوسواس القهري، الأفكار بذات الله عز وجل تعكر علي صفو حياتي في طاعتي لله! وأنا الحقيقة بين واديين اثنين: الأول هو العلم والطاعة والدعوة إلى الله، وهي أهم شيء عندي، والثاني هو ذلك الوسواس اللعين.

وأنا طالب علم، أي أتعلم العلم الشرعي - ولله الحمد والمنة - وإني مستغرب كيف تأتيني هذه الوساوس، ترافق هذه الوساوس حالة من الاكتئاب الشديد جداً وكره لنفسي بل والحقد عليها أيضاً، والحزن والخوف من غضب الله تعالى، وأنا محافظ على ديني وسنة حبيبي رسول الله وعلى العلم وحفظ القرآن إن شاء الله تعالى.

لقد أحسست أن حياتي قد تدمرت ولكني لم أيأس من رحمة الله ولن أيأس أيضاً.

وقد سمعت أن هناك دواء لمثل هذا المرض، فما هو العلاج الدوائي؟ وهل له تأثير على الصحة العامة؟ حالتي النفسية صعبة جداً وهذا كل ما أستطيع أن أوافيكم به.

شكراً لكم وجزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو حذيفة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

جزاك الله خيراً وبارك الله فيك – أخي الكريم الفاضل – ونشكرك كثيراً على اهتمامك بأمر الدعوة والانخراط لاكتساب العلم الشرعي، نسأل الله لك التوفيق والسداد.

الوساوس القهرية حقيقة هو مرض مثل الأمراض العضوية الأخرى، وهو – يا أخِي – يصيب البر والفاجر، ويصيب الغني والفقير، الأسود والأبيض، الأنثى والذكر، الصغير والكبير، هذا هو المبدأ الأول الذي أقوله لك.

ثانياً: الوساوس تنشأ دائماً من البيئة ومن معتقدات الناس، وأنت - الحمد لله تعالى - أنعم الله عليك بنعمة الاهتمام بأمر الدين والانخراط في العلم الشرعي، فهذا ولَّد هذه البيئة لديك، ولا ننس أن الشيطان له دور في ذلك، فالشيطان يتداخل حين يجد أن نوعا من المساحة، وأنت بنفسك الآن تعيش في هذه الحيرة، ولكني أبشرك أن الذي حدث لك - بإذن الله تعالى – هو من صميم الإيمان وهو دليل على صدق نيتك وليس أكثر من ذلك.

ما أصابك من حزن واكتئاب هو أمر ثانوي، فيعرف أن خمسين إلى ستين بالمائة من مرضى الوساوس القهرية يعانون من اكتئاب ثانوي، خاصة إذا كان الشخص في مثل حالتك، أتاه الأمر في أمر عقيدته وأصبح يشك الإنسان في نفسه، فهذا لا شك أنه محزن، ويعرف تماماً أن مرضى الوساوس القهرية معظمهم من أصحاب الضمائر الحية والقيم الإنسانية النبيلة؛ ولذا يكون الواحد منهم أكثر تأثّراً.

الوساوس القهرية تعالج، ولا نستطيع أن نقول إن هنالك سبباً معيناً لهذه الوساوس، ولكن كما ذكرت لك لا ننس دور الشيطان، وبعد ذلك هنالك نظرية أيضاً بيولوجية معتبرة جدّاً وهي أن بعض الموصلات العصبية الداخلية في المخ ربما تتأثر أو تتغير أو يتأرجح إفرازها، وهذا يؤدي إلى استمرارية الوساوس.

أيضاً ربطت الوساوس القهرية بالشخصية بتجارب الطفولة، ولا شك أنها حالة مكتسبة، وهي تعتبر نوعا من أنواع القلق النفسي ولكنه قلق نفسي ذو طبيعة خاصة.

الوساوس تعالج بفهم طبيعتها ولذا حاولت أن أشرحها لك، فهي قلق نفسي وإن شاء الله سوف تزول وليس أكثر من ذلك.

ثالثاً: عليك أن تقاوم هذه الأفكار وأن ترفضها رفضاً قاطعاً وأن تحقرها وأن تضعها تحت حذائك، تصور ذلك وعش هذا التصور بكل تمعن، ضع هذه الوساوس تحت قدميك ودس عليها، وفي تمعنك لمثل هذه الطرق العلاجية السلوكية البسيطة وأخذ الأمر بجدية سوف تجد أن ذلك قد ساعدك كثيراً.

من الوسائل الطيبة أيضاً هو أن تأخذ الفكرة الوسواسية كفكرة دخيلة عليك، وبعد ذلك اربطها بشعور مختلف، فقد وجد أن أفضل شعور يطرد الوساوس هو أن تُدخل الألم على نفسك وأنت تفكر في الوساوس، وحتى أبسط لك الأمر: اجلس في مكان هادئ وتأمل في واحدة من هذه الوساوس، وفي نفس الوقت قم بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب حتى تحس بألم شديد، اربط ما بين الألم وما بين الفكرة الوساوسية، فقد وجد أن هذا التزاوج والربط بين الاثنين – الفكرة الوسواسية والألم – سوف يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، حيث إن الألم هو شعور مرفوض وحين نربطه بالوسواس سوف يضعف الوساوس.

لا شك أن هذا التمرين يتطلب التكرار ويتطلب الجدية وأن تأخذه بمعناه العلاجي الصحيح.

بالنسبة للعلاج الدوائي فأقول لك: نعم أبشرك أنه توجد أدوية وأدوية فعالة جدّاً لعلاج الوساوس، فهنالك عقار يعرف علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، ودواء آخر يعرف يعرف تجارياً باسم (فافرين Faverin) ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine).

ودواء ثالث يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، ورابع يعرف تجارياً باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)، وخامس يعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، وسادس يعرف باسم جارياً باسم (أنفرانيل Anafranil) ويسمى علمياً باسم (كلومبرامين Clomipramine).

هذه كلها أدوية طيبة جدّاً لعلاج الوساوس القهرية، وهذه الأدوية في المقام الأول هي أدوية مضادة للاكتئاب، ولكن بعد ذلك اكتشف فعاليتها في علاج الوساوس القهرية.

وما دامت هي أدوية في الأصل مضادة للاكتئاب فسوف تؤدي أيضاً إلى تحسين المزاج وإزالة الاكتئاب المصاحب للوساوس القهرية.

الدواء الذي أرشح استعماله وأطلب منك أن تلتزم في تناوله هو العقار بروزاك، وهو موجود الحمد لله في سوريا تحت هذا المسمى، فابحث عن المسمى العلمي، وليس من الضروري أن تتحصل على البروزاك الأصلي.

هذا الدواء تتناوله بجرعة كبسولة واحدة (عشرين مليجراماً) بعد الأكل يومياً - يمكن أن تتناوله في الصباح أو السماء – لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، واستمر على ذلك لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى ثلاث كبسولات (ستين مليجراماً) في اليوم، تناولها بمعدل كبسولة واحدة في الصباح وكبسولتين ليلاً، واستمر على هذه الجرعة العلاجية لمدة ستة أشهر – وهذه هي المدة العلاجية المطلوبة في مثل حالتك – ثم بعد ذلك أدخل في المرحلة الوقائية، وفي هذه المرحلة خفض الجرعة كل ستة أشهر بمعدل كبسولة واحدة، ثم توقف عن العلاج بصورة تامة.

هذا الدواء ممتاز وهو علاج سليم جدّاً وليس له آثار جانبية، ربما يؤدي إلى تأخير في القذف المنوي لدى بعض الرجال، ولكنه لا يؤثر مطلقاً على خصوبة أو ذكورة الرجل.

في بعض الأحيان أيضاً قد يؤدي هذا الدواء إلى نقصان بسيط في الوزن خاصة في بداية العلاج، ولكن بعد ذلك سوف يرجع الوزن إلى طبيعته، وبعض الناس قد يزداد وزنه مع تناول هذا الدواء.

يتميز هذا الدواء بأنه غير إدماني ولا يؤثر مطلقاً على الأعضاء الرئيسية في الجسم، كما أنه لا يؤدي إلى أي نوع من التخدير أو الشعور بالاسترخاء الزائد أو الإكثار من النوم.

إذن أرجو أن تتحصل على الدواء، ومن أهم الأشياء هي أن تلتزم بالجرعة التي وصفتها لك، وعليك بتطبيق الإرشادات السلوكية السابقة، وعليك أن تسير في طريق الدعوة وأن تكتسب العلم الشرعي، وأسأل الله تعالى أن يثبتك وأن يقويك وأن يزيدك خيراً وأن ينفع بك، وبارك الله فيك وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية وثقتك فيما تقدمه.

ويرجى الاطلاع على هذه الاستشارات حول العلاج السلوكي للوساوس: ( 244914 - 260030 - 263422 - 259593 - 260447 - 265121 ).

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً