الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التلفيق بين مذهبين في النكاح وهل يصح عن المالكية

السؤال

إن لي زوجة وأحب امرأة وأريد نكاحها، وأعرف أن أباها لن يرضى عني، وأنا خائف من الزنا لأخلو معها مرات . فتزوجت منها بتوليتها نفسها على مذهب الحنفية وبعدم الشهادة على مذهب أبي ثور وأبي بكر الأصم وابن أبي ليلى . وهذا التلفيق بالتقليد الصحيح لمذهب المالكية يقولون بجواز التلفيق بين مذهبين، فما الحكم في هذا الموضوع ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإشهاد شرط لصحة عقد النكاح عند غير المالكية، وأما المالكلية فيندب عندهم حصوله وقت عقد النكاح، ويشترطونه عند الدخول بالمرأة والبناء عليها، فالخلاف بين الجمهور وبين المالكية ليس في اشتراط الإشهاد من أصله، بل في وقت وجوبه، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: الإشهاد على النكاح واجب، وكونه عند العقد مندوب زائد على الواجب، فإن حصل الإشهاد عند العقد فقد حصل الواجب والمندوب، وإن لم يحصل عند العقد كان واجبا عند البناء. انتهى.

وعليه فما نسبته للمالكية غير دقيق من وجهين: من جهة كونك نسبت إليهم عدم اشتراط الإشهاد في النكاح وهذا غير دقيق، -كما رأيت-، ومن جهة أنك نسبت أيضا إليهم هذا النوع من التلفيق بين المذاهب، والحقيقة على خلاف ذلك، كما يتضح من كلام أئمتهم، جاء في فتح العلي المالك للشيخ عليش وهو مالكي ما يلي: وأما تتبع أخف المذاهب وأوفقها لطبع الصائر إليها والذاهب فمما لا يجوز فضلا عن كونه محبوبا مطلوبا قاله الرياشي وغيره، وقال أبو عمر بن عبد البر في كتابه بيان العلم: عن سليمان التيمي أنه قال لخالد بن الحارث إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله، قال أبو عمر هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا. ونقل ابن حزم أيضا الإجماع على أن تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي فسق لا يحل. وعن أبي محمد بن أبي زيد من أخذ بقول بعض الأمصار لم أجرحه إلا أن يكون شاذا ما لم يأخذ بكل ما وافقه من كل قائل، وعلل ما ذكره ابن حزم وأبو عمر من الإجماع على منع تتبع رخص المذاهب بأنه مؤد إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها. وقال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى إذا صار المكلف في كل نازلة عنت له يتتبع رخص المذاهب وكل قول وافق فيها هواه فقد خلع ربقة التقوى وتمادى في متابعة الهوى ونقض ما أبرمه الشرع وأخر ما قدمه... اهـ.

ويقول محمذن فال بن متال الشنقيطي وهو مالكي:

ومن شروط الرعي للخلاف * أن لا يؤدي إلى خلاف

إجماعهم كناكح بــلا ولي * بدانق للشاهدين مهمل

قلد في نفي الولي التابعي * وفي الشهود مالكا والشافعي

بدانق فإن هذ الصوره * قال الرياشي لم تكن مذكوره

وفي رواية عنه في البيت الأخير:

..... فإن هذ الصوره * أجمع كل أنها محظوره

وعليه، فما فعلته من التلفيق في النكاح المذكور غير صحيح، ويجب عليك تركه والتوبة إلى الله منه.

وما ذكرته من الخوف من الزنا والخلوة بتلك المرأة لا يبيح لك الوقوع في هذا الأمر المحرم؛ لأن من واجبك أصلا أن لا تخلو بها، بل وأن لا تتعلق بها طالما أنك يائس من أن أباها سيقبلك زوجا لها. وخصوصا أنك متزوج، ويجب أن تستعف بزوجتك أو تبحث عما تستعف به من الحلال إذا لم تعفك زوجتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني