الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدب مع الله يقتضي تحاشي نسبة الابتلاء إليه

السؤال

حضرة المفتي لدي سؤال: أنا إنسان مؤمن بالله إن شاء الله، مصاب بالوسوسة القهرية والشك، وأثناء سجودي دعوت الله كالآتي: اللهم اشفني مما ابتليتني به من الوسوسة إنك أنت الشافي والمعافي. فهل أنا بدعائي هذا تماديت على الله مع أني أعلم أن الابتلاء والبلاء من عند الله، وأنا مسلم بذلك، وإذا كان تطاول فهل أخرج من الملة، مع أني أعلم أن الوسوسة من الشيطان. أفتوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيك ويعافيك من شر الوسواس الخناس.

واعلم أخي السائل أن مدافعة الابتلاء بالدعاء ليس تطاولا ولا سوء أدب مع الله، ولا ينافي الصبر على قضائه؛ فإن دفع البلاء بالدعاء هو هدي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {الأنبياء:83}.

وقال عز وجل: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {الأنبياء:87}.

وقال تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ {الأنبياء:89}.

وإنما المنهي عنه في الدعاء أن يدعو الإنسان بما لا يجوز له سؤاله شرعاً أو عقلاً، فإن هذا اعتداء في الدعاء، والله تعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {لأعراف:55}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية، من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولداً من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله. مجموع الفتاوى. (15/22)

وأما قولك "ما ابتليتني فيه من الوسوسة" فكان ينبغي لك تجنبه؛ فإنه وإن كان ابتلاؤك بقدر الله ومشيئته إلا أن الأدب مع الله يقتضي تحاشي نسبته إليه، ولك في ذلك أسوة بإبراهيم عليه السلام؛ إذ يقول الله تعالى على لسانه: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {الشعراء:80} فنسب الشفاء إلى الله دون المرض، وإن كان كل منهما بقضاء الله وقدره.

وكما ذكر الله تعالى عن مؤمني الجن قولهم: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً {الجن:10} فإنهم لما ذكروا الشر ذكروه بالفعل المبني للمجهول، ولما ذكروا الخير أضافوه إلى ربهم وهذا من أدبهم.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بالدعاء المأثور في قيام الليل ومنه: والخير كله بيديك، والشر ليس إليك. رواه مسلم. وذلك لأن أفعال الله تعالى باعتبار نسبتها إلى الله كلها خير؛ لأن الله لم يقدرها إلا لحكمة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. ولكن المقدور قد يكون شراً بالنسبة للعبد في حال ما لأنه غير ملائم له.

وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9803، 23425، 2855، 47818.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني