الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم صاحب السلس إذا عرض له حدث سوى حدثه الدائم

السؤال

نشكركم على جهودكم الجبارة التي تقدمونها على موقعكم، ونرجو من الله أن يجعلها في موازين حسناتكم.
هل المصاب بسلس الريح إذا خرج منه الريح متعمدا يبطل وضوؤه ؟ وما هو الدليل على ذلك ؟وقد قرأت على موقعكم أنه يجب على المرء المصاب بالسلس أن يتوضأ وقت كل صلاة إلا إذا لم يحدث. ولكني قرأت في الفتوى رقم :98130 حيث توجد في نهايتها هذه العبارة: ومن خلال ما ذكرنا وما سنذكره من النصوص يعلم أن أكثر فقهاء المذاهب الأربعة يرون أن صاحب السلس يصلي بوضوئه ما شاء من الصلوات فرضاً كانت أو نفلاً مؤداة أو مقضية، وأنه لا يطالب بالوضوء لكل صلاة ما دام ذلك في الوقت الذي توضأ فيه ولم يحدث حدثاً غير السلس. فما التفسير ؟!وقد قرأت أن الحنفية يجيزون الوضوء قبل دخول الوفت فقط لصلاة الظهر باعتباره وقتا مهملا. فهل يجوز الأخذ برأيهم هذا ؟وبارك الله فيكم وجزيتم خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما بالنسبة للمعذور بسلس البول أو الريح أو نحو ذلك لو عرض له حدث سوى حدثه الدائم فإنه فيه كالصحيح، فإذا بال عمدا أو أحدث بحدث آخر أو تعمد من به سلس ريح إخراجها فهو داخل في عموم الأدلة القاضية بأن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وإنما عفي له عن حدثه الدائم وتعلقت طهارته فيه بالوقت لمشقة الاحتراز، وتخفيفا من الله تعالى عليه، فإذا كان حدثه لا عن عذر فحكمه حكم الصحيح وهذا بين واضح.

قال ابن عابدين في حاشيته: قوله ( ما لم يطرأ الخ ) أي فإنه بعد الخروج لو طرأ أي عرض له حدث آخر أو سال حدثه يبطل وضوءه بذلك الحدث فهو كالصحيح في ذلك فتدبر. انتهى.

وقال صاحب اللباب: فيصلون أي المعذورين بدوام الحدث بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض) والواجبات أداء وقضاء (والنوافل، فإذا خرج الوقت بطل وضوءهم) أي ظهر الحدث السابق (وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاة أخرى) ولا يبطل وضوءهم قبل خروج الوقت، إلا إذا طرأ حدث آخر مخالف لعذره. انتهى. فقوله مخالف لعذره يدل دلالة واضحة على ما ذكرناه.

وأما بخصوص ما نقلته من الفتوى المشار إليها فإنه لا إشكال فيه بوجه من الوجوه، فإننا رجحنا في هذه الفتوى أن طهارة المعذور متعلقة بالوقت، فيجب عليه أن يتوضأ بعد دخول الوقت ويصلي بوضوئه ذاك ما شاء من الفروض والنوافل حتى يخرج ذلك الوقت، وهو قول الحنفية والحنابلة ويوافق مذهب المالكية الذين يرون أن الحدث الدائم لا ينقض الوضوء، وفي المسألة خلاف بيناه في الفتوى المشار إليها، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: توضئي لكل صلاة. أي لوقت كل صلاة على ما نرجحه.

قال الشيخ العثيمين رحمه الله: يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة. انتهى من الشرح الممتع.

وقال أيضا في شأن صاحب السلس: فَكُلُّ الدِّينِ ـ ولله الحمد ـ يُسْرٌ، وكيفيَّةُ وُضوءِ وصلاةِ هذا: أن نقول له: إذا دَخَلَ الوقتُ فاغسِلْ فَرْجَكَ، وتحفَّظْ، أي: اجعلْ على فرجِكَ حفَّاظةً تمنع مِن تسرُّبِ البولِ وانتشارِه في جسدِكَ وفي ثيابِك، ثم توضَّأ وُضُوءَكَ للصَّلاةِ، ثم صَلِّ ما شئتَ فروضاً ونوافل. انتهى. وأما ما ذكرته من كون الحنفية يجيزون للمعذور الوضوء للظهر قبل وقتها فهذا صحيح.

جاء في اللباب من كتب الحنفية: (والمستحاضة ومن) بمعناها كمن (به سلس البول يتوضأون لوقت كل صلاة) مفروضة، حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به عندهما، وهو الصحيح هداية. انتهى بتصرف.

ولكن ليس هذا القول هو الراجح عندنا لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: ثم توضئي لكل صلاة. وما قبل الظهر ليس وقتا للظهر ومن ثم فلا يصح وضوء المعذور للظهر فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني