الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعليق الطلاق وحكايته بغير قصد إيقاعه

السؤال

أرجو منكم أن تفتوني في أقرب وقت ممكن لأنني أصبحت عرضة للشيطان في مسألتي، أنا متزوجة منذ حوالي 7 سنوات، ولدي طفلان، وأنا وزوجي نحب بعضا جدا، ولكن نشبت بيننا خلافات وحلف علي أكثر من مرة بالطلاق المعلق على فعل شيء معين، بعضها فعلته وبعضها لم أفعله، ولقد سأل هو أحد الشيوخ الأفاضل وأفادوه أنه بحسب نيته فهل كان ينوي فعلا إذا قمت أنا بفعل الشرط المعلق عليه الطلاق كان يقصد أن يطلقني أم أنه للتهديد، وزوجي أقسم أنه لا يريد أن يطلقني ولا في نفسه ذلك، بل هي كلها للتهديد فأمره الشيخ أن يدفع كفارة اليمين عن كل حلفان له، وفعلا تم ذلك ودفع زوجي كفارات أيمانه، وبدأت تستقر الأمور، ولكن أنا وسوس لي الشيطان أنه قد وقع طلاقي، وبدأت أبحث على النت وفي كل مكان عن ذلك، فوجدت أمورا كثيرة متشعبة منهم من أوقع الطلاق ومنهم من لم يوقعه وتركه لنية الزوج، ودخلت في دوامة كبيرة أفسدت علي حياتي، وقلت لزوجي عن مخاوفي هذه بصورة هستيرية ونحن في السيارة، وهو سائق فأخذ يسألني عن المعلومات التي قرأتها وأنا الله يصلحني كنت أقول له إنهم يقولون الطلاق يقع، وأنت حلفت علي أكثر من خمس أو ست مرات فقال لي يعنى ماذا؟ وهو سأل أكثر من مرة وأخرج كفارة، وأنا لم يكن على لساني إلا إن الطلاق يقولون يقع، فما وضعي الآن فقال لي: باعتبار أننا في الغربة (خلاص انزلي مصر وأنت مطلقة) فبكيت وقتها بشدة وقلت له لماذا تقول ذلك وكلمه الطلاق حساسة، قال لي لم أقل شيئا وأنا لا أطلقك لكني أقول لك تحصيل حاصل إذا كان كلامك صح وماقرأته صحيح أن الطلاق يقع وقتها لا مفر من نزولك لبلدك، وتكون حالتك مطلقة، وكان كلامه ما هو إلا مناقشة الأمر، وأنا من وقتها فضيلتكم وحالتي النفسية سيئة برغم أننا سألنا أحد شيوخ الأزهر الشريف وقال إن كلامه لا شيء عليه فهو يناقش معي الأمر والأمور المترتبة إذا كان كلامي صحيحا في وقوع الأيمان السابقة . هذا هو أمري فضيلتكم وأنا أعلم جيدا أن زوجى كان فعلا يناقش معي الأمور المترتبة إذا كان كلامي صحيحا وهو أنني سأعود لبلدي مطلقة إذا كان وقع الطلاق قبل ذلك وأنا الآن بعد بحثي في آراء شيوخ كبار تأكدت أن كلام زوجي السابق من حلفان باليمين المعلق فعلا لم يقع الطلاق لأنه لم يقصده وإنما للترهيب، ولكن الآن أصبحت المشكلة الكلمة التي قالها لي فى السيارة وأنا أناقش معه الأمر بخوف وهستيرية وهو كان سائقا، ومن شدة حالتي كان سيصطدم، وقال لي أغلقى هذا الحوار وأنا سائق الآن. فما هو سبيل كلمته هذه أفيدوني أفادكم الله وأصلح حالكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجمهور أهل العلم على أن الطلاق المعلق على شرط يقع بوقوعه، فإذا فعلت المرأة ما علق عليه طلاقها فإنه يقع.

وذهب بعض العلماء كابن تيمية وغيره إلى إن الطلاق المعلق له حالتان:

الأولى: أن يقصد وقوع الطلاق عند تحقق الشرط، فتطلق امرأته بذلك طلقة واحدة.

الثانية: أن يكون قصده التهديد أو الحث أو المنع، لا الطلاق، فيلزمه كفارة يمين فقط.

وعلى القول بوقوع الطلاق، فإنه يقع رجعيا ، فللزوج أن يراجع زوجته قبل انقضاء عدتها، ما دامت هذه هي المرة الأولى أو الثانية، والأفضل مراجعة المحكمة الشرعية في الأمر لأنه من اختصاصها.

وما دام زوجك قد استفتى أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم فأفتوه بمذهب ابن تيمية ومن تبعه فكان الواجب عليكما أن تأخذا بهذه الفتوى ولا تسألا أحدا بعدها. لأن العامي مذهبه مذهب مفتيه. قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل : 43}

قال القرطبي رحمه الله: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه ، لقوله تعالى : {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل : 43] ، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه ، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. انتهى.

أما هذه الكلمة الأخيرة التي تلفظ بها فيرجع الأمر فيها إلى قصده ونيته، فإن كان الحال على ما ذكر زوجك من أن تلفظه بها من قبيل مناقشة الأمر أو الإخبار عن الطلاق السابق، ولم يكن قصده إنشاء الطلاق فإن الطلاق حينئذ لا يقع على ما أفتاكم به هذا الشيخ. أما إن كان قصده إنشاء الطلاق فإن الطلاق يقع بها.

جاء في المغني: وذكر أبو بكر في قوله أنت مطلقة أنه إن نوى أنها مطلقة طلاقا ماضيا أو من زوج كان قبله لم يكن عليه شيء. انتهى

وراجعي الفتويين التاليتين: 75614، 17824.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني