الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم هجر القريب وغيره لمصلحة شرعية

السؤال

قرأت في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه أن الأعمال تعرض على الله تعالى الإثنين والخميس وتؤجل إذا كان الشخص لايكلم قريبه. أريـد ردكم لأني لا أكلم مجموعة من الأشخاص منذ سنين، الغلط ليس مني هم أقاربي والمشكلة أنهم دخلوا بيتنا وضيفناهم، وبعد ذلك انهالوا علي بقذف وظلم حتى والدتي وإخوتي تعدوا عليهم بالكلام بسبب مشكلة لاتستحق أبداً، حسبي الله عليهم. هل يكون علي ذنب لأني قاطعتهم مع العلم أنهن لو مددن أيديهن لي للسلام لسلمت عليهن ولكن ياشيخ كرامتي. هل إذا هجرتهم بسبب ظلمهم وقذفهم لي يعاقبني ربي أو أنني معذورة في ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث المشار إليه يتعلق بمقاطعة المسلم للمسلم عموما، وليس مخصوصا بمقاطعة القريب. فعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.

و إذا كان هذا مع الأقارب فإن الأمر يكون أشد ، فقد أمر الشرع بصلة الأرحام وإن أساءوا ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. تسفهم المل : تطعمهم الرماد الحار.

فإذا لم يكن عليك ضرر في صلة هؤلاء الأقارب فالواجب عليك صلتهم ولو بالسلام، وإذا ظللت على مقاطعتهم فإن الوعيد يلحق بك .

قال ابن الجوزي: اعلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكون بينهم من عتب وموجدة أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحو ذلك، فهذا يحد له ثلاثة أيام ليرجع المقصر عن تقصيره ويرعوي بهجرته، فإذا انقضت المدة حرمت الهجرة عليهم ويكفي في قطع الهجرة السلام. اهـ من كشف المشكل من حديث الصحيحين. وانظري الفتويين : 111912 ، 123460.

أمّا إذا كان عليك ضرر في صلتهم ولو بالسلام ، فلا حرج عليك ولا يلحقك الوعيد بذلك، لأن هجر القريب يجوز للمصلحة الشرعية.

قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر : أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت ‏مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب ‏هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

واعلمي أن في العفو خيراً لك، وأنه يزيدك عزاً وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا.

كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته وقال تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. { النــور: 22}.

كما أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني