الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التدابر والهجران بين الإخوة من النسب ذنب عظيم

السؤال

عندي أخوان أكبر مني سنا ولنرمز لاسم الأخ الأكبر (ع1) واسم الأخ الثاني (ع2). هذان الأخوان حصل بينهما مشكلة وهي أن خطب أخي (ع2) من (ع1) ابنته لابنه وبعد مرور مدة قصيرة من هذه الخطبة حصل ما لا تحمد عقباه وهو أن بنت أخي (ع1) هربت مع رجل ثاني كانت علي علاقة معه، فغضب أخي (ع2) وقاطع أخاه (ع1) ويعلم الله أن كل العائلة غضبت من هذه الفعلة ولكن لا ينفع الندم بعد فوات الأوان، وبعد أن وقع أخي (ع1) في أمر الواقع وافق علي زواجها من الرجل الذي هربت معه، وكانت الطريقة أن وكل أحد الأقارب لإتمام إجراءات العقد الشرعي وتم الزواج، ولكن الذي حصل هو أن هذا الزواج مضى عليه الآن أكثر من ثلاث سنوات ومازلت هذه المقاطعة مستمرة، وعندما نتحدث مع أخي (ع2) عن المصالحة يقول إن أخي (ع1) وزوجته كانا مشتركين في عملية الهروب ولهذا هو مصر على هذه المقاطعة ويهدد بأنه إذا أتت بنت أخي (ع1) لزيارة أهلها فإنه سوف يفعل ما لا تحمد عقباه من شجار وغير ذلك.
هذه هي القصة وإن كانت بصور مختصرة جدا، والذي يؤرقني من هذه القصة هو أني أرى أن من المفروض أن يكون لي دور في المصالحة خاصة وأني على علم بأنه لا تجوز هذه المقاطعة وخاصة بين الإخوة. لهذا شيخنا أريدك أن تشاركني في هذا العمل الخيري وهو المصالحة بين هذين الأخوين بعلمك وطريقتك الخاصة ومن الأحسن أن تكون هذه المداخلة صوتية أو كتابية موجهة لكل واحد منهما على حدة وأنا بدوري أقوم بتوصيل هذه المداخلة إن كان تسجيل صوتي أو كتابي .
ونريد كذلك أن نعرف ما هو الحكم الشرعي نحو هذه البنت هل فعلا يتم مقاطعتها من قبل أهلها وأقاربها جزاء لما فعلت أم من المفروض أن يسمح لها بزيارة أهلها وأقاربها وعفا الله عما سلف؟ مع العلم بأن جدها من أبيها كذلك غير راض عن السماح لها بزيارة أهلها وإن سمع بها فسوف يتأثر كثيرا ويمكن ينتج عنه عدم رضاه عن أخي (ع1).

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرا لحرصك على تغيير المنكر وإصلاح ذات البين، فذلك من أفضل الأعمال عند الله، فعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ. رواه أبو داود.

واعلم أن الشرع قد نهى عن التدابر والهجران بين المسلمين، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. صحيح مسلم.

وكلما طال الهجر فالإثم أشد ، فعن أبي خراش السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

وإذا كان التدابر والهجران بين الإخوة من النسب كان ذلك أشد، فإن بينهم رحماً قد أمر الله بصلتها ونهى عن قطعها ، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.

وإذا كانت بنت أخيك قد تابت من فعلتها فلا يحل لكم مقاطعتها فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأما إذا كانت لم تتب فمقاطعتها تتوقف على المصلحة المترتبة عليها، فإن كانت المقاطعة تعين على ردها للصواب فهي أولى وإن كانت صلتها تعين على استقامتها فهي أولى. وانظر الفتوى رقم : 14139.

فينبغي عليك أن تنصح إخوتك بترك الهجران والحذر من القطيعة، وأن يتواصلوا فيما بينهم ابتغاء مرضاة الله، وليعلموا أنّ هذه القطيعة تفوّت عليهم خيراً كثيراً. فعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.

وليعلموا أن في العفو خيراً لهم وأنه يزيدهم عزاً وكرامة ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "..وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته ، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.

كما أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.

وللفائدة راجع الفتاوى أرقام : 36568 ، 76116 ، 66144.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني