الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المرأة الصالحة تعين زوجها على بر أمه

السؤال

توفي والدي بعد زواجي بسنة، فقمت باستئذان زوجتي لإسكان أمي وأختي غير المتزوجة معي في المنزل، وبعد ثلاث سنوات تزوجت أختي وبقيت أمي معي، فبدأت خلافات بين زوجتي وأمي، فقررت والدتي شراء منزل مستقل لها، واتفقت مع إخوتي أن نخصص لها خادمة، وأن يسكن أخي الأكبر وعائلته في نفس المبنى معها، ولكن بمنزل مستقل، وحيث إنني حريص على خدمة والدتي، وأعلم صعوبة أن تكون وحيدة في منزل مستقل حتى وإن زرتها أو إخوتي، حيث إنها تستوحش من النوم وحيدة بالإضافة لقلقي من وجود خادمة غريبة معها حيث لم نعتد على وجود الخادمات، وهو أمر غير محبذ في العائلة، ولإصابة الوالدة بأمراض مزمنة مثل القلب والضغط والسكر والمفاصل وغيرها، وسؤالي هو: هل الأولى تقديم خدمة والدتي على زوجتي ـ وذلك بمفارقتها ـ لاستحالة الجمع بينها وبين والدتي؟ علماً أنني على خلاف مع زوجتي في أمور لا تتعلق بوالدتي، وقد طلقتها طلاقا رجعيا وهي في فترة العدة هذه الأيام، ولي منها طفلتان في الرابعة والثانية، وقد عرضت عليها تخصيص ملحق في منزل الوالدة، ولكن رفضت لرغبتها في الاستقلال تماماً عن الوالدة، بالإضافة لاعتراضها على تحملي هذه المسؤولية، حيث إنني أصغر إخواني الذكور، وإن الإبن الأكبر هو الأولى بمثل هذا الأمر، وآسف للإطالة ولكنني أود التنويه إلى أنني قلق جداً إذا استمر زواجي من هذه المرأة أن أقصر في رعاية والدتي أو أن أرتبط بامرأة لا تقدر الحياة مع أم كبيرة في السن ومسالمة جدا جدا رغم أنني أوضحت لها أن وجود والدتي معنا هو بر بها وباب من أبواب الجنة، بالإضافة إلى أنه رحمة لنا لعل الله أن يرزقنا بر أبنائنا عند كبرنا، خاصة هي حيث كأم قد تكون بنفس وضع والدتي في يوم من الأيام، أرجو أن أكون أوصلت الفكرة من السؤال، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن حق الأم عظيم، وبرّها من أوجب الواجبات ومن أفضل القربات، ولا سيما إذا كان في حال ضعفها ومرضها، قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا {الإسراء: 23}.

وخدمة الأمّ ورعايتها واجبة على أولادها جميعاً، فإما أن يقوموا بخدمتها بأنفسهم بالتناوب فيما بينهم، وإمّا أن يوفروا لها من تقوم بخدمتها، فإن أردت أن تكفي إخوتك وتتبرع برعاية أمك وخدمتها طمعا في الأجر ورغبة في الثواب، فقد أحسنت ولنعم الابن أنت، ونسأل الله أن يوفقك ويتقبل منك هذا العمل العظيم، ولا حق لزوجتك في الاعتراض على قيامك بخدمة أمك ورعايتها ما دمت لا تقصر في حقها، لكن اعلم أن زوجتك ليست ملزمة بقبول مساكنة أمك أو غيرها من أقاربك، وانظر الفتوى رقم: 28860.

أما إذا وفرت لها مسكنا مستقلا مناسبا فلا حق لها في الاعتراض عليه، ولو كان قريبا من أمك، جاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: وفي شرح المختار ولو كان في الدار بيوت وأبت أن تسكن مع ضرتها ومع أحد من أهله إن خلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا على حدة ليس لها أن تطلب بيتا آخر.

كما أنه ينبغي على المرأة الصالحة أن تعين زوجها على بر أمه والإحسان إليها، فإنّ ذلك مما يعود عليهما بالخير في الدنيا واللآخرة، والذي ننصح به أن تجتهد في الجمع بين بر أمك وإمساك زوجتك بالمعروف، ولا ننصحك بطلاق زوجتك إلا إذا أدى إمساكها إلى تضييع حق أمك وتقصيرك فيما يجب عليك نحوها، فالطلاق ليس بالأمر الهين ولا ينبغي أن يصار إليه إلا عند تعذر جميع وسائل الإصلاح، وإذا أمكن للزوجين الاجتماع والمعاشرة بالمعروف ولو مع التغاضي عن بعض الهفوات والتنازل عن بعض الحقوق، كان ذلك أولى من الفراق لا سيما حال وجود أولاد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني